رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار «الجناح الغربي» في البيت الأبيض.. «النار والغضب» يزيح عنها الستار.. ودوافع الانتقام تطارد «صاحب الكتاب»..الرئيس الأمريكى «معزول» بأوامر حزبية.. وابنة 

الرئيس دونالد ترامب
الرئيس دونالد ترامب

ما الذي يحدث خلف الأبواب المغلقة في الجناح الغربى داخل البيت الأبيض؟.. سؤال يمكن التأكيد أنه أصبح الأكثر شيوعًا خلال الفترة الماضية، سواء على مستوى الأنظمة الحاكمة في دول العالم المختلفة، أو بين الأفراد العاديين الذين يتابعون الأوضاع في واشنطن لحظة بلحظة، ويحاولون التوصل إلى رؤية محايدة وواضحة تكشف تحركات "ترامب وعائلته" في منزلهم الجديد.


كتاب "النار والغضب".. لمؤلفه مايكل ولف، استطاع فتح ثغرة في الجدران الصلبة لـ"الجناح الغربى"، تمكن من تمرير عين دارت في ردهات وأروقة وغرف المكان، وخرجت بمعلومات، لا شك أنها أشعلت ثورة من التساؤلات، سواء تساؤلات حول مدى صحتها، أو الأسباب التي دفعته للإفصاح عنها، أو حتى تساؤلات أخرى متعلقة بالرجل الذي يسكن الجناح الغربى، ويجلس على المقعد الأعلى داخل المكتب البيضاوى في واشنطن.

«النار والغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض» الصادر عن دار نشر هنري هولت، لا يمكن التعامل معه كونه مجرد كتاب عابر، يوضع - بإهمال- على أحد أرفف مكتبة الزمان، فصفحات الكتاب التي تعدت حاجز الـ 300 صفحة، بـ36 صفحة، كشفت عورة إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ليس هذا فحسب، لكنها لعبت دورًا رئيسيًا في توضيح وكشف النظرة الأمريكية الوقحة التي تنظرها واشنطن للعالم العربي.

صحيح.. أنه منذ اعتلاء الولايات المتحدة الأمريكية عرش العالم منفردة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، ورغم أنها دائما ما كانت تضع العرب على طاولة المقامرة، وتتعامل مع المنطقة تحت بند "المفعول به" وليس الفاعل، لكن الإدارات السابقة في البيت الأبيض حرصت على اعتلاء البسمة على الوجوه، ووخز الإبر في عضل الأمة العربية والإسلامية بهدوء دبلوماسى، حتى الحرب على العراق وتفتيت دول المنطقة عقب ثورات ملونة، حرصت الولايات المتحدة على صبغها بالدبلوماسية، وتمريرها بمباركة دولية تجنبها المحاسبة القانونية.

"ترامب".. الرئيس رقم 45 في قائمة "الذين حكموا أمريكا".. أحد الذين ناصبوا المنطقة والعرب والمسلمين العداء قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2017، فضل بنزعته اليمينة المتطرفة التقاط سكين السياسة لذبح القضية الفلسطينية، وانتهز كـ"سمسار" الأوضاع المتردية التي تعانى منها مصر والسعودية واعتبرها أنظمة هشة يستطيع- من وجهة نظره- فرض الأمر الواقع عليهما بصفتهما أكبر دولتين بالمنطقة، وتملكته قناعة المقامر المغامر في طرح فلسطين على طاولة مقامرة دولية لتسليمها إلى إسرائيل دون مقابل أو شرط.

مرسي وترامب
المعلومات التي قدمها صاحب الكتاب الأزمة، والتي حصل عليها من مستشار الرئيس الأمريكى السابق "ستيف بانون"، رغم قسوتها إلا أنها تكشف مؤشرات انهيار عصر هيمنة الولايات المتحدة التي صنعتها من خلال الإعلام والحروب، فقد حمل "نار وغضب" عن رئيس أكبر دولة في العالم ما يكفى للشفقة عليها، بعد وصوله إلى الحكم وطرق ممارسته السلطة بطريقة ليست بعيدة الشبه عن تجربة الرئيس المعزول محمد مرسي.

رجل البيت الأبيض الذي تحل الذكرى الأولى لتنصيبه 20 يناير الجارى، بحسب الكتاب ليس سوى مجرد دمية صنعها الحزب الجمهوري بالأموال بهدف اختطاف المؤسسات الأمريكية وصفقات تجارة السلاح من الحزب الديمقراطي، ودخل غمار سباق لا يعلم عنه شيئا فاقدا الثقة في قدرته حتى على الفوز أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

جاهل سياسيا
التدخل الروسي في الانتخابات لصالح ترامب ضد هيلارى، الذي أكده الكاتب الأمريكى أيضا، أكد بما لا يدع مجالا للشك اهتراء الجناح الغربى في البيت الأبيض، وجهل ساكنه بالسياسة وترك صناعة القرارات لشاب يهودي متعجرف –جاريد كوشنر- زوج ابنته إيفانكا، تنصب أحلامه على إنهاء القضية الفلسطينية واختطاف الأراضى المحتلة لصالح أجداده، وأعد بـ"طيش ثيوقراطى" ما يسمى "صفقة القرن"، والتي يمكن وصفها - هي الأخرى - بالفخ الذي سقط فيه ترامب، وهز هيبة أمريكا داخل قاعة الأمم المتحدة.

وعندما تنجح إيفانكا في تحريك العسكرية الأمريكية لقصف قاعدة الشعيرات بسوريا في شهر أبريل 2017، رغما عن جنرالات البنتاجون من خلال إعداد مقطع فيديو عاطفى لضحايا القصف الكيماوي بمعاونة دينا بأول، بهدف تحريك مشاعر والدها كما جاء في كتاب "النار والغضب"، إضافة إلى سخريتها من لون شعر والدها بعد زراعته وعدائها لزوجة أبيها السيدة الأولى للبلاد «ميلانيا»، فهذا دليل جديد على «حكم عائلة سيمبسون» للدولة العظمى.

مصر والسعودية
كتاب "وولف" تطرق إلى خطة أمريكا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ونقل عن ستيف بانون، كبير المستشارين الإستراتيجيين السابق، أن ترامب كان يعمل لوضع خطة لإحلال السلام، وتحدث منذ وصوله إلى البيت الأبيض عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبحسب الكاتب الأمريكي: "ابتسم بانون وتابع قوله: دعوا الأردن تحصل على الضفة الغربية، ومصر تحصل على غزة.

اتركهم يتعاملون مع الأمر، أو تفشل محاولاتهم، السعودية على وشك الانهيار، كلهم يخافون من إيران حد الموت، ويخشون مما يحدث في اليمن، وسيناء، وليبيا.. الأمور لا تسير على نحو جيد.. روسيا هي الحل.. هل الروس أشرار؟؟ نعم هم أشرار.. ولكن العالم مملوء بالأشرار".

نظرة إدارة الرئيس الأمريكى إلى منطقة الشرق الأوسط ولجوئه إلى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق لرسم مستقبل أمة تمتلك روحا شبابية ودبت داخل شرايينها دماء جديدة، دليل على غياب تام عن واقع قيادة وشعوب تعلم بالحدث في واشنطن وقت وقوعه، وبالرغم من الأزمات التي تعانيها السياسية والاقتصادية، لكنها في الوقت ذاته تمتلك ما يكفى لتغيير ما يفرض أو يملى عليها من سياسات خارجية.

غرور أمريكى
ولوضع قراءة أكثر تفصيلا في سطور كتاب الأزمة، قال وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمى: الكتاب أعطى صورة سيئة عن الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وسيجعل العديد من دول العالم تتعامل بحذر ودقة شديدة مع واشنطن، بصرف النظر عن كونها دولة مهمة على الساحة العالمية من عدمه".

مضيفًا: التخطيط في الولايات المتحدة سيكون قصير المدى وليس بعيد المدى في الفترة المقبلة، نتيجة الإيحاءات من قبل البعض حول إمكانية استمرار سياسة إدارة ترامب على ما هي عليه أم لا، أو استكمال الفترة الأولى للرئيس شخصيا، وهناك أخطاء إدارية وقعت فيها إدارة ترامب في أسلوب الحكم للبلاد، واستكماله ولايته الأولى سيحسم على أطر قانونية، وحال توفرت أدلة المخالفات القانونية المتعلقة بتدخل روسيا في الانتخابات ستتم محاسبة هذه الإدارة دون تردد.

وأكمل: أيضا ما يراه ترامب عن ضعف مصر والسعودية، وإمكانية اختطافه جزءا من سيناء لصالح فلسطين، يعكس غرور الولايات المتحدة الأمريكية وعدم فهمها لدول المنطقة، بصرف النظر عما تمر به دول الشرق الأوسط أثبت ترامب ضعف شديد في فهم طبيعتها، فهو يقيم علاقات على بنظرة قصيرة المدى، وليس لديه رؤية بعيدة المدى للعلاقات يقيم على أساسها.

رئيس مجنون
في السياق قال الدكتور سعيد اللاوندى، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: كتاب "النار والغضب" تكلم عن حقائق بدليل إحجام ترامب عن تحريك دعوى قضائية ضد مؤلفه.

"الكتاب يبين أن ترامب سيكون سبب تفسخ المنطقة".. رأى آخر قدمه "اللاوندى" وتابع: علينا إدراك أنه لا خلاف بين أمريكا وإيران، لكن الخلاف الحقيقى بين تل أبيب وطهران، وهنا يظهر أن الرئيس الأمريكى ليعمل كوزير خارجية لإسرائيل وليس رئيسا للولايات المتحدة، وشكك الكتاب أيضا في القوى العقلية لترامب وكشفه أمام شعبه وحتى في حال استكمال ولايته الأولى وعدم ثبوت دليل التدخل الروسي وعزله قضائيا من المؤكد أن حلمه في ولاية ثانية تبخر.

"اللاوندى" تطرق إلى ما ورد في الكتاب حول قضية فلسطين وما تسمى "صفقة القرن"، معتبرا أن اقتناص جزء من سيناء حلم يتملكهم وتحدثوا مع القيادات السياسية المتعاقبة في مصر حوله، لكن من الواضح أنهم –أمريكا وإسرائيل- لم تصل إليهم رسالة الرئيس السيسي المؤكدة على عدم تنازل مصر عن ذرة من ترابها.

وأردف: الكتاب كشف بصورة فجة مخطط أمريكا لإزاحة دولة المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وتمهيد الطريق أمام الكيان الإسرائيلى، لكنه حلم لن يتحقق ودليل على قراءة غير دقيقة لدول المنطقة، فمصر التي يراها ترامب ضعيفة وهشة، تصدت لقراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتحركت دوليا وإقليميا لإجهاض اعترافه المشين واثبتت أنها تسير عكس البوصلة الأمريكية، وعكس تيار ترامب وصهره.

خيال مؤلف
رؤية أخرى وضعها الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، لكتاب نار وغضب، معتبرا أن مؤلفه أطلق العنان لنفسه في تصفية حساباته مع الرئيس الأمريكي، فمصطلح "صفقة القرن" لم تذكرة إدارة البيت الأبيض بحسب ما نقله مؤلف الكتاب نفسه، والإدارة الأمريكية تركز على السلام الاقتصادي والتعاون الإقليمي، وهذا ما ترغب فيه إدارة ترامب في الوقت الراهن.

وأضاف: مؤلف الكتاب اتهم الإدارة الأمريكية بالتجارة والعمل كسمسار في علاقات مع بعض الدول خاصة دول الخليج - ويقصد منها المملكة العربية السعودية تحديدا- إلى جانب زعمه أن أنظمة تلك الدول مهددة بالانهيار، فبدا أنه قرأ الأوضاع في مصر والسعودية من منظوره، وبعد ترجمة أجزاء كبيرة من الكتاب ظهرت بين سطوره رغبة انتقامية لدى المؤلف تجاه الإدارة الأمريكية وجمع المعلومات من مستشار الرئيس السابق يعزز هذه الفرضية.

وأوضح أنه "كان واضحا أن الكتاب وظروف صدوره والضجة الإعلامية التي صاحبته هدفت لإحراق الإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما وضح من خلال تأكيدات المؤلف على عدم استطاعة ترامب اكمال ولايته الأولى وأنه في حال استمر في منصبه سوف يكون رئيسا منزوع الدسم بلا صلاحيات.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية