المسئولية الحائرة
أحترم الأستاذ كرم جبر، وسعدت باختياره رئيسًا للهيئة القومية للصحافة لأسباب تتعلق بجوانب يغلب عليها الطابع الإنساني قبل المهني، فالرجل كان واحدًا من الذين ظلمتهم فوضى يناير، وطاردهم الفشلة الذين تصدروا المشهد في دولة انفرط عقدها ما بين يوم وليلة؛ ولأن البلطجة كانت قانون المرحلة.. جبن الجميع عن حماية الرجل، فانسحب في هدوء من مؤسسة كان يترأس مجلس إدارتها، ومن شاشة اعتاد أن يطل منها على الجمهور طوال سنوات، حياء الرجل منعه من الاستمرار؛ بسبب الضعف الذي تملك أصحاب القرار في القنوات والصحف، بعد أن تمكن منهم بلطجية يناير وابتزوهم، إما بدفع إتاوات وإما بتقديم برامج..
ولم يسلم من بطشهم إلا شجاع تحسس رأسه فلم يجد بطحة، ويقيني أن أحدًا لم يتحسس رأسه، كتم الرجل أنفاسه وطوى أحزانه التي ضاعف من قسوتها ظروف أسرية عاشها، وكنت أعلم بحكم عملي معه لفترة قصيرة حجم معاناته بسبب هذه الظروف؛ كل ذلك جعلني سعيدًا باختياره رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة، وأن هذا الاختيار جاء بمثابة رد الاعتبار.
تفاءلت خيرًا باختيار الأستاذ كرم جبر، وكان أملي (وما زال) كبيرًا في إصلاح ما امتدت إليه فوضى يناير في الصحافة، لم لا وقد تبوأ المنصب الذي يمكنه من ذلك؟ كما أن عددًا من الموثوق فيهم يعملون معه في الهيئة، واختار الرجل رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير الصحف ليحقق بهم ما نطمح إليه، كما أنه يعمل تحت مظلة المجلس الأعلى للصحافة والإعلام الذي يترأسه الأستاذ مكرم محمد أحمد وهو القيمة والقامة والمدرك للأمراض التي أصابت الصحافة..
لكن الأستاذ كرم جبر جعلني محطة يتردد عليها الإحباط بجملة واحدة صاغها في سؤال بصفحته على "فيس بوك" حيث تساءل (صحافة الزمن الجميل.. متى تعود؟) هذا السؤال من المفترض أن يوجهه أي شخص إلا رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، لأنه دون غيره المعني بالإجابة عنه، فمن حق أي صحفي أو مواطن أن يطرح السؤال، والإجابة عليه فرض عين على الأستاذ كرم جبر، أما إذا كان هو نفسه صاحب السؤال.. فنحن أمام معضلة كبرى.
أعلم أن ميراث الصحافة القومية ثقيل، وأن الزملاء في أغلب الصحف الحزبية والمستقلة يحتاجون إلى من يرفع المعاناة عنهم، وأن الهيئة الوطنية للصحافة تضرب أخماسًا في أسداس مع بداية كل شهر بسبب الرواتب وبدل النقابة، لكن كل هذا لن يصرفنا عن وضع روشتة لعلاج الأمراض التي تمكنت من المهنة خاصة في السنوات السبع الأخيرة، فبدون هذه الروشتة لن تعود الصحافة إلى سابق عهدها، وستظل ضعيفة وهشة وعاجزة.. حتى عن الوقوف مع الدولة، وبدونها أيضًا..
سيظل السؤال مطروحًا (صحافة الزمن الجميل.. متى تعود؟) والإجابة ستكون عند الأستاذ كرم جبر؛ لأنه المسئول الأول عن الصحافة في مصر، ولن يعفيه من الإجابة ما نستشعره من تضارب اختصاصات بين الهيئات المعنية بالصحافة والإعلام، والتي تجعل المسئولية حائرة أحيانًا.
basher_hassan@hotmail.com