رئيس التحرير
عصام كامل

تواضروس الثانى..«الحكيم»

فيتو

حين كان الطفل بيشوى جرجس، يسحب الورقة التي تحمل اسم البطريرك الـ118، في الرابع من نوفمبر 2012، كان الأنبا تواضروس الثاني، أسقف البحيرة، آنذاك، في«قلايته» بدير الأنبا بيشوى.. وصل الخبر إلى الدير، وتهلل الرهبان فرحا، وتسابقوا لتهنئة بابا الكنيسة الجديد.


جلس تواضروس على كرسى «مارمرقس» في ظروف استثنائية، التركة لم تكن ثقيلة بقدر ما كانت الأجواء آنذاك ملبدة بالغيوم، الإخوان يعتلون حكم مصر، وثمة مشاحنات حادة بين المصريين وأبناء المرشد، وهو ما أثقل الحمل على الرجل، ودفعه لمواجهة مبكرة مع «الجماعة».

قبل أن يغادر البابا «قلايته» ليباشر مهام عمله الرعوى والخدمى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، رفع صلاة من أجل طلب الحكمة ليدير شعب الرب، أسوة بالنبى سليمان الذي صلى من أجل أن يمنحه الله الحكمة ليدير الشعب.

لـ«الحكمة» موقع مميز في حياة بابا الكنيسة، فهو يرى أن الحكمة إحدى الفضائل التي يتسم بها الإنسان، وتنجيه من المشكلات، كما أنها ثمرة حياته واقترابه من الله، ولا يمكن للإنسان أن يتعلم الحكمة مادام كان مشغولا بالعالم، لكنه عندما يتقرب إلى الله تقترب منه الحكمة.

الأمور منذ وصول البابا لكرسى «مارمرقس» لم تكن هادئة، فسرعان ما ضربت الاضطرابات الشارع، فبعد ثلاثة أشهر فقط من توليه المنصب اندلعت مواجهات دامية بين الشرطة ومعارضين لحكم المعزول محمد مرسي، وخرجت دعوات مطالبة بالعصيان المدني، ووسط هذا الاضطراب خرج البابا داعيا إلى التحلى بالحكمة: «الأوضاع السياسية المتأزمة تقتضى التعامل معها بحكمة من كل الأطراف، والحكمة يجب أن تكون في كل ما يصدر من تصريحات من أولى الأمر».

استطاع أن يقود الكنيسة إلى بر الأمان بحكمة الربان، ورغم محاولات جر الكنيسة إلى مناطق ملغومة فإنه استطاع الحفاظ على استقلالها بعيدا عن المشاحنات، بل كان طرفا أساسيا في معادلة التقارب بين الكنائس الأخرى، ففى فبراير 2013 قاد «مجلس كنائس مصر»، لتكون أولى الخطوات لتوحيد الكنائس المصرية، والتقريب فيما بينها.

الأجواء في 2013 لم تكن صافية، الغيوم تلقى بظلالها، فحكم الإخوان في الرمق الأخير، لذا كان الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية سابقة لم تحدث من قبل، اختبارًا حقيقيًّا للبابا الجديد، وهو ما نجح فيه، واحتوى الأزمة بروح الأب، في الوقت الذي وصف فيه الاعتداء بأنه تخطى الخطوط الحمراء، وحمل الرئيس مرسي وجماعته المسئولية.

وخلال ثورة 30 يونيو 2013 شارك البابا في الاجتماعات التي سبقت عزل مرسي، كما كان حاضرا خلال إلقاء المشير عبد الفتاح السيسي، آنذاك، بيان عزل مرسي، ونجح بحكمته في أن يقف في الصف الوطني، معلنا بذلك أن الكنيسة دائما ما تكون رقما إيجابيا في المعادلة الوطنية.

وعقب فض اعتصامى رابعة ونهضة مصر يوم 14 أغسطس 2013، شن أعضاء الجماعة الإرهابية هجمات أحرقوا ودمروا خلالها عشرات الكنائس في مختلف المحافظات، وكالعادة احتوى البابا غضب الأقباط، رافضا في الوقت نفسه التدخل الأجنبي، وقال عبارته الشهيرة: «وطن بلا كنائس خيرٌ من كنائس بلا وطن».

وخلال زيارته للقدس، اعتذر عن عدم قبول دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس لزيارة رام الله، مؤكدًا أنه لن يدخل الأراضى الفلسطينية أو القدس إلا بصحبة شيخ الأزهر.

شهد العام الخامس للبابا تواضروس في قيادة الكنيسة، أحداثًا دامية، حيث استهدف الإرهاب الكنائس، ففى ديسمبر 2016 تعرضت الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية لتفجير إرهابى أدى إلى استشهاد 29، وإصابة العشرات، وكان البابا في ذلك الوقت في زيارة لليونان، قطعها وعاد إلى أرض الوطن، ووصف الحادث بالمصاب الأليم: «إنه لا يخص الكنيسة فقط، وإنما كل المصريين.. وأقدم الشكر لكل رجال القوات المسلحة والشرطة في تأبين ضحايا العمل الإرهابي، وهذا أفضل تكريم للشهداء وأسرهم.. والمحن سوف تزيد المصريين صلابة ومسئولية تجاه مواجهة العنف الإرهابي».

تبع حادث البطرسية، تفجيران متتابعان في كنيسة مارجرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية يوم أحد السعف، أول أيام أسبوع الآلام، حيث خلف التفجيران 46 شهيدا، ونحو 80 مصابا، وكان البابا موجودا في الكنيسة المرقسية وغادرها قبل دقائق من التفجير.

وظل متمسكا بحكمته المعهودة في واقعة نزوح أقباط العريش: «يوجد اهتمام كبير من الدولة للأسر الوافدة من العريش، محاولة تخفف آثار المعاناة للأشخاص الذين تركوا منازلهم.. وإن الهدف من ترويع المسيحيين في العريش هو تقسيم مصر، وكسر الوحدة التي تربط بين المصريين.. ترك الأقباط لمنازلهم في العريش نوع من الحكمة».

«الحكمة» هي كلمة مشتركة في أغلب أحاديث البابا تواضروس الثاني، دائما ما يستخدمها في مطالباته، ومداخلاته في الأحداث المتلاحقة.. لذا يلقب بـ«البابا الحكيم».
الجريدة الرسمية