نجيب محفوظ يكتب: الدائرة المشئومة
في مجلة نصف الدنيا عام 2006 وتحت عنوان (سيرة ذاتية)، كتب إبراهيم عبد العزيز بعضا من خواطر نجيب محفوظ بقلم محفوظ نفسه، فقال في إحداها:
أنشأ عبد الحميد جودة السحار دار النشر للجامعيين فانفكت أزمة النشر بالنسبة لى ولآخرين من أدباء جيلى. وأقنعت نفسى أن الفن حياة تعاش لذاتها لا مهنة يجب على الإنسان أن يجنى ثمارها لأريح نفسى من تعب انتظار التقييم.
كنا خمسة من جيل واحد بدأنا بنشر أعمالنا معا، على أحمد باكثير والسحار وعادل كامل وأحمد زكى مخلوف وأنا.. وحينما أعود بذاكرتى إلى هذه السنوات أجد أن أحمد باكثير والسحار لم يداخلهما أدنى شك في قيمة إنتاجهما ووجوب استمرارهما، كانا ممتلئين بالإيمان والتفاؤل، أما الثلاثة الآخرون ومنهم أنا كنا نعانى أزمة نفسية غريبة طابعها التشاؤم والإحساس بعدم قيمة أي شيء في الدنيا.
ويرجع ذلك إلى أنه كان هناك إحباط غالب على كل سلوكنا وحياتنا لأن الذي كسب معاهدة 36 هو الملك لا الوفد، لكن كنا لا نعرف كيف نتغلب على ما أصابنا من الهزيمة والإحباط أو كيف نتغلب على الملك أو أحزاب الأقلية.
هنا سألنا أنفسنا لماذا نكتب ؟ وكنا مجمعين على أن الكتابة عبث والنشر عبث والرغبة في الكتابة يجب أن تعالج على أنها مرض، وكنا نحن الثلاثة نجلس في المساء عند كوبرى الجلاء في قطعة أسميناها "الدائرة المشئومة" وترك بعدها زكى وعادل الكتابة، أما أنا فلست عبثيا والحياة بالنسبة لى لها معنى وهدف وتجربتى الأدبية كلها مقاومة للعبث، لكن الإنسان في هذه الأحوال يطمئن ساعة ويقلق ساعة أخرى ويظن أنه وصل ثم يعود ثانية ليسأل، ومجرد إحساسنا بغموض وسحره هو في حد ذاته دليل على قربنا من جوهر الدين.
يمكن أن يحدث هذا إذا فكر الإنسان في العقيدة بعقله، وقد مررت بلحظات شك حين أردت في مقتبل حياتى أن أخضع عقيدتى للعقل والمنطق والعلم وكانت تلك فترة أليمة.