رئيس التحرير
عصام كامل

عكاز وشبشب.. آخر ما تبقى من مقتنيات«عم وديع» بائع توابيت الموتى أمام كنيسة حلوان

فيتو

"جنون السرعة.. حوادث الطرق تقتل وتصيب 27"، عنوان لورقة صحيفة يومية يسندها عكاز ألومنيوم متوسط الطول، بقايا لحياة كانت تسكن بين دفتي تابوت مسجي في الخلف أو آخر يستعد للرحيل، العكاز منتصب والحذاء البلاستيكي يرقد خلفه.. منذ ساعات كان يجلس في هذا المكان يتصفح أخبار اليوم وما يدور في أنحاء الوطن المنكوب.


زوجته في الجهة المقابلة تستعد لقداس اليوم بكنيسة مارمينا العجايبي بشارع مصطفى فهمي، الكائن بمنطقة حلوان في القاهرة، يومه عادي خرج من منزله في الثامنة كما اعتاد، يمرره في قراءة الصحف أو التندر مع عم حسين صاحب المنزل المجاور، حتى تحين الرابعة عصرًا فيعود إلى منزله بشارع أحمد الشريف.

دقت الساعة العاشرة والربع، القداس قائمًا والتراتيل تتعالى.. عم وديع صاحب الساق العاجزة جراء إصابته بجلطة يتكئ على عكازه، يمشط محل بيع توابيت الموتى التابع للكنيسة، ذهابًا وإيابًا في انتظار "إيفيلين" زوجته لحين انتهاء الصلاة، يصحو الموت من سباته في أحد التوابيت، يتشخص في ذات رجل مدجج برصاصات البندقية الآلية، رصاصة تصعد إلى رأسه تتوسطه ليسقط من فوق كرسيه الأثير، وبجواره تستلقي إيفيلين، التي شاء القدر أم يجمعها وإياه في الآخرة كما كانا في الدنيا.

"أنا كنت نازل أقعد معاه زي ما بعمل دايمًا لكن راحت عليَّ نومة، نزلت لقيتهم قالولي وديع وزوجته اتضربوا من الإرهاب، كانت هي بتصلي وخلصت قبل الحادث بنصف ساعة وخرجت تقعد معاه"، يتحدث محسن صاحب العقار القائم بجوار المحل وصفي عم وديع.

بناتهما الثلاث كن ما زلن داخل الكنيسة، لم يلحقهم الموت لكن لعنة الإرهاب وصمت أجسادهن الصغيرة، لتصيب الثلاث فتيات بين إصابات خفيفة إلى خطيرة، "بناته كانوا لسه جوة.. الإرهابي لحقهم وهما خارجين".

على الناحية الأخرى يستلقيان جسدا أبويهن، تمتزج دماؤهما معًا ليكونا أسطورة ستظل حديث منطقة الحي الغربي بحلوان لفترة طويلة.

يقول ميشيل صاحب المحل الذي كان يعمل به وديع "وديع شغال معايا من نحو سنة إلا شهر، عنده نحو 55 سنة، كان شغال في شركة حكومية وطلع معاش مبكر، لأنه كان عنده عجز في رجله وإيده"، السلام كان يحيط بوديع، حتى جعله يحمل من اسمه النصيب الأكبر.. عام كامل قضاه عم وديع بين صناديق الموت، هادئ لا يختلط بأحد إلا صاحب المنزل شريكه في إفطار كل يوم.. على حافة الموت عمل عم وديع وفي غماره سقط شهيدًا، ليبقى حذاؤه وعكازه وصفحة "الحوادث" شاهدين على أنه كان هنا.
الجريدة الرسمية