رئيس التحرير
عصام كامل

محمود حافظ يكتب: أبجديات السعادة

فيتو

من أبجديات السعادة أن نكون متقنين لـ«فلسفة التقدير» فلقد أظهرت الأبحاث العلمية أن الأحداث الكبيرة ليست هي السبب الحقيقي للسعادة، ولكن الملذات الصغيرة والأشياء البسيطة التي ربما لم نشعر بأهمية تفاصيلها هي المعنية بوصول الإنسان إلى السعادة الكاملة، سألت نفسي ذات مرة: لماذا نسعى دائمًا لمعرفة "ثمن" كل شيء؛ ولا نسعى لمعرفة "قيمة" أي شيء؟.. والحقيقة أن قيمة الأشياء التي تسعدنا فعلًا لا تقدر بثمن، ولو أن لكل شيء "ثمن" يُشترى به، فما ثمن الحق؟!.. والعدل ؟!.. والخير؟!.. والجمال؟!.. ما ثمن نظرة محبة أو طقس جميل أو هدية دون مناسبة أو حُب الناس؟!


هل سألت نفسك ذات يوم أو تخيلت ماذا يحدث لو أصبح كل الناس أثرياء وتساووا في الرزق وامتلكوا المال والأشياء النفيسة باهظة الثمن؟!..لو أن المال أصبح في متناول الجميع ستفقد الأشياء رونقها وقيمتها، فمثلًا لن يكون الذهب مُبهرًا ولا المجوهرات ولا أثمن العطور وستفقد القصور بريقها كل شىء خُلق لمتعة الإنسان، بالتالي سوف يفقد بريقه، لو أصبح جميع الناس أثرياء لن تجد عمالًا يبنون أو فنيين أو مهندسين يقدمون إليك خدمات حيوية يحتاجها أي إنسان، لن تعثر على ممرضين أو أطباء يعالجون المرض ولا معلمين يتحملون عناء التربية والتعليم لأبنائنا، ستختفى “الوظائف الوضيعة” فلن تجد إنسانا يقبل أن يكون "عامل نظافة" أو "يشتغل بالصرف الصحى مثلًا"، ستختفي الصناعة وينتهى الابتكار، لا أحد سوف يشعر بقيمة الثراء ولن يتمتع أحد بمزايا الأغنياء فلقد تساوى الجميع.

إذًا فالمال وحده ليس معنى على الإطلاق بمسؤليته عن السعادة، والبهجة الحقيقية في معرفة قيمة الشىء لا في ثمنه، السعادة لها شروط، أهمها جاهزية المجتمع وتحضره، فما فائدة أن تسكن في قصر مشيد تجري تحته الأنهار أشجاره وارفة الظلال ممتلئ بخيرات الله ويقع وسط مجتمع محطم دموى فقير ممتلئ بالحروب والأمراض والفئات المتناحرة؟!

وقتها لن تشعر بقيمة الثراء المادي مهما كان مقداره ولن تحتاج إلى المال بقدر احتياجك وسعيك للأمان، والمحافظة على حياتك في ذلك الوقت لن تقدر بثمن، نخرج من ذلك بأنه لا يوجد سعاده للفرد بدون مجتمع سعيد ولن يكون هناك مجتمع سعيد وأفراده بائسين محطمين.

الحياه تتكون من لحظات واللحظة هي وحدة من وحدات قياس الزمن، والعُمر ما هو إلا لحظات كثيرة تتراص بجانب بعضها، فإذا لم نعتني جيدًا بأحداث كل لحظه صغيره مبهجه في حياتنا ولم نظهر تقديرنا لها وامتناننا بها جيدًا لضاع العُمر كله وانفرط عقده من بين أيدينا، ونندم يوم لا ينفع الندم.. يوم أن نهرم ونكبر ونفقد شبابنا ثمنًا لاعتقاد خاطىء اعتقدناه يوم أن حصرنا السعادة بين قوسي «الرفاهية والمال الكثير» فقط.
الجريدة الرسمية