رئيس التحرير
عصام كامل

وما ينبئك مثل خبير


مشكلة الناس إنها تتكلم وتفتي في كل الأمور فكل منهم يتكلم وكأنه خبير في السياسة وفي الدين وفي الاقتصاد وفي أحوال العباد والبلاد، وقد غاب عنهم قول الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه"، وهذه مصيبة كبرى، يا سادة لكل شيء أهل، للسياسة وإدارة شئون البلاد والعباد أهل، وللاقتصاد، وللسياسة أهل، ولعلوم الدين أهل، ولكل مجال من مجالات الحياة المختلفة أهل، وكل خبير في أي مجال هو من أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بسؤالهم والرجوع إليهم..


هذا وليس كل دارس في أي مجال يعد خبيرًا وأهل ذكر، فبعض من الناس الدارسين ولكنهم غير فاهمين ولنأخذ على سبيل المثال المدعو الدكتور يوسف القرضاوي مفتي الجماعات الإرهابية، فهو دارس وحاصل على دكتوراه في علوم الدين وللأسف غير فاهم للعلوم والأحكام الشرعية، فجعل بفهمه الخاطئ من إرهاب وسفك دماء الأبرياء واستباح دماء المسلمين وغير المسلمين جهادًا في سبيل الله، وأفتى بأن قتل رجال الجيش والشرطة وهو الجهاد الحقيقي المشروع وأنه جهاد في سبيل الله، وأعتقد أن فتاويه المغلوطة تنم على أنه جاهل، وأنه مغرض، ومتآمر على الإسلام والمسلمين..

وهناك بعض العلماء من خريجي الأزهر دارسون للعلوم الشرعية ولكنهم فاقدون لروحانيات الإسلام وواقفون عند شكلياته ورسومه، ويتضح ذلك من شدة عدائهم للصوفية والتصوف ومعاداة أهله وتطاولهم عليهم بمناسبة وبغير مناسبة، ومع كونهم عَلما في أحكام الفقه إلا أنهم يجهلون حقيقة منهج التصوف، ذلك المنهج الذي يجلي جوهر الإسلام وروحانياته، وبه يكمل الدين فهو الذي يعني التخلق ومجاهدة النفس والارتقاء إلى مرتبة الإحسان، وهو الذي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..

وفي هذا التعريف النبوي إشارة إلى مقام المراقبة والمشاهدة والورع، وأعتقد أنهم لم يدرسوا منهج التصوف ولم يطلعوا على سير ومناقب أئمة التصوف أمثال الإمام أبو القاسم الجنيد، وأبي طالب المكي، وإبراهيم بن أدهم، والحسن البصري، والإمام أبو حامد الغزالي صاحب إحياء علوم الدين، وسهل بن عبدالله التستري، وذي النون المصري، وغيرهم من صفوة الأمة الإسلامية وعظمائها من أهل الله الذين نسبهم الله تعالى إليه من خلال قوله عز وجل: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"..

ووصفهم أيضًا سبحانه بالصدق في العهد والوفاء به حيث قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"، هذا وقد غاب عن هؤلاء العلماء الدارسين لعلوم الشريعة والواقفين عند ظاهرها من الذين لم يفتح الله تعالى على قلوبهم بأنوار المعارف والعلم اللدني أن الصوفية هم الذين أدركوا حقيقة العلاقة التي بين العبد وربه عز وجل، والأصل في اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهي الحب لقوله سبحانه: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"..

وغاب عنهم أن هناك عبادًا لله تعالى أقامهم سبحانه في مقام القرب وهو المقام الذي يرقى منازل الجنان، وهو المقام الذي أشار إليه عز وجل في قوله: "والسابقون السابقون أولئك المقربون"، ولا وصول لهذا المقام إلا بفضل الله تعالى وتوفيقه وبانتهاج منهج التصوف، وهو مجاهدة النفس ومخالفة هواها والاستقامة على أمر الله تعالى واتباع هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والاشتغال بذكر الله والاجتهاد في أعمال النوافل، حتى تتزكى النفس وتتخلى عن كل وصف مذموم، وتتحلى بكل خلق كريم، وتكن أهلا لأن يتجلى الله عليها بأنوار أسمائه وصفاته سبحانه..

هذا ولقد بين لنا الحق سبحانه مراسم سلوك الطريق إليه وهو في مجمله منهج التصوف كاملا، وذلك من خلال قوله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، يقول فيه تبارك وتعالى: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي عليها ولإن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه".

يا سادة ليس كل من قرأ واطلع ودرس بأهل ذكر وخبير، فكم من قارئ ومتطلع ودارس وهو لا يفقه ما علمه ودرسه، وفاقد لروحانيات الدين وكانوا سببا في إراقة دماء بريئة وتضليل الناس.
الجريدة الرسمية