مصر وتركيا... ما فرقته السياسة يجمعه الاقتصاد.. أكثر من 4 مليارات دولار حجم التبادل التجاري بين القاهرة وأنقرة.. ومدينة صناعية هندسية في إنتاج الماكينات والمعدات باستثمارات 3 مليارات
بعد ثورة 30 يونيو، يمكن القول إن العلاقات "المصرية – التركية"، شهدت حالة من الاختلاف، الذي وصل إلى حد المقاطعة السياسية، وذلك على خلفية الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية، والتي كانت تلقى – ولا تزال – دعما كبيرا من النظام الحاكم في أنقرة، الاختلاف الذي حدث في العلاقات، لم تتوقف آثاره عند حد السياسة، لكن ظهرت بصماته أيضًا على الجانب الاقتصادي، وهو ما أكده خروج أصوات من الجانبين تطالب –وبأسرع وقت ممكن- بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وإلغاء اتفاقية اليورو خلال 2015.
المغازلة الاقتصادية
المثير هنا، أن حالة الغضب الجماهيرى من الجانب المصري، لم تكن متوفرة على الجانب التركي، الذي يمكن القول إنه التزم خلال الفترة الماضية بسيناريو "المغازلة الاقتصادية والمكايدة السياسية"، حيث أعلن أكثر من مرة عن ضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية، كما استضافت القاهرة مطلع العام الجارى اجتماعا لمنتدى الأعمال (المصرى - التركي) الذي نظمه الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أنقرة والقاهرة.
وحضر المنتدى رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية، رفعت هيسارجيكلى أوجلو، ورئيس اتحاد الغرف التجارية بمصر أحمد الوكيل، فضلا عن انعقاد المؤتمر الاقتصادى (التركى – المصري) في تركيا بحضور بعض من رجال الأعمال المصريين ونظائرهم من الأتراك لبحث توسيع التعامل الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين، وتم خلاله مناقشة مشروع إنشاء أول مدينة صناعية هندسية متكاملة متخصصة في إنتاج الماكينات والمعدات بشراكة مصرية تركية باستثمارات 3 مليارات جنيه، تقام على مساحة مليون متر مربع، تضم 1300 مصنع بمساحة 500 متر مربع للمصنع، كما تضم مركزا للتدريب الفنى ومركزًا لبراءات الاختراع.
ويهدف هذا المشروع إلى إقامة قاعدة صناعية كبيرة للصناعات الهندسية، وتزويد المصانع المحلية باحتياجاتها من المعدات والماكينات، كذلك تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل للشباب.
100 مليون دولار
وقد سبق ذلك إعلان إحدى كبرى الشركات التركية المنتجة للزجاج في يونيو الماضي، عن نيتها ضخ استثمارات جديدة بالسوق المصرية بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار، بعد إتمامها صفقة للاستحواذ على إحدى الشركات المصرية المنتجة للزجاج بمدينة 6 أكتوبر بقيمة بلغت 50 مليون دولار، وأنها سوف تبدأ الإنتاج الفعلى خلال العام المقبل.
تجدر الإشارة هنا إلى أن البيانات الرسمية توضح أن عدد الشركات التركية العاملة بمصر يقدر بـ305 شركات تعمل في مختلف المجالات الصناعية ومنها "المنسوجات والكيماويات والمقاولات ومواد البناء والصناعات الغذائية والزجاج"، وتستوعب هذه الشركات نحو 75 ألف عامل، فيما توفر فرص عمل غير مباشرة ودخل أسرى لنحو مليون مصري، وتصل قيمة الاستثمارات التركية العاملة بمصر تقدر بـ2 مليار دولار.
ووفقًا للأرقام والبيانات ذاتها، فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وتركيا بلغ نحو 4.176 مليارات دولار خلال العام 2016 مقابل 4.341 مليارات دولار خلال 2015، وفقًا لبيانات التجارة والصناعة.
وفيما يتعلق بحركة التبادل التجارى بين البلدين، تشير أحدث البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة إلى ارتفاع صادرات مصر إلى السوق التركية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجارى ( يناير- مايو) بنسبة 52% لتصل إلى 837.2 مليون دولار مقارنةً بــ549.4 خلال نفس الفترة من العام 2016، وفى المقابل تراجعت واردات مصر من تركيا بنسبة 26% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجارى إلى 890.1 مليون دولار مقابل 1.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام 2016.
تبادل المصالح
بدوره قال محمد العبسى، عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال (الأتراك – المصريين): العلاقات بين الجانبين المصرى والتركى يحكمها "تبادل المصالح"، الجانب المصرى قدم مقترحا أثناء إقامة فعاليات المؤتمر الاقتصادى المصرى التركى المنعقد مؤخرا في تركيا يتعلق بإنشاء أول مدينة صناعية هندسية متكاملة متخصصة في إنتاج الماكينات والمعدات بشراكة مصرية تركية باستثمارات 3 مليارات جنيه.
وتابع: الأمر لم يتوقف عند حد الاقتراح فقط، بل بدأ اتخاذ خطوات فعلية حاليا، وذلك من خلال إعداد الرسوم الهندسية المبدئية لـ"المدينة"، ويتم التواصل مع الجهات المعنية ممثلة في "وزارة الاستثمار – هيئة التنمية الصناعية"؛ لتخصيص مليون متر في المنطقة الصناعية، لافتا إلى أننا نسعى إلى إقامتها في مدينة بدر أو العاشر من رمضان.
وقال: إننا نرغب في إنشاء مدينة صناعية متكاملة، إضافة إلى إنشاء "مراكز تدريب صناعي" داخل المدينة، ويتم تعليم الطالب الإعدادى حرفة ويكون التطبيق العملى بالمصانع الموجودة بالداخل، والمشروع يستهدف إلى تصنيع ماكينات مغذية للصناعات الكبرى.
وفيما يتعلق بالقدرات المصرية بإنشاء هذه المدينة قال "العبسى": تم الاعتماد على الجانب التركى في هذا المجال لخبرته في "تصنيع ماكينات"، وذلك تميزهم في "التصنيع والإنتاج"، وبعد الإجراءات الحكومية لتقنين الاستيراد وارتفاع أسعار الدولار، بدأ نوع من المفاوضات مع الجانب التركى بأن نكون شركاء في التجارة من خلال تصنيع الماكينات في مصر، وبالتالى يتم التصدير من مصر باعتبارها بوابة للقارة الأفريقية.
التأثير السياسي
وحول مدى انعكاس التوتر السياسي على العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين، قال: إذا كانت العلاقات السياسية بين البلدين شهدت توترا في فترة ما، لكن هذا الأمر لم يؤثر فى وجود الشركات التركية العاملة في مصر، إضافة إلى توجه قطاع من المستثمرين الأتراك للاستثمار بالسوق المصرية، وذلك بحكم تميز الموقع الجغرافية لـ "مصر"، والإعفاءات الضريبية وقانون الاستثمار الجديد.
وردا على سؤال رؤيته لمن الرابح من تقارب العلاقات بين الجانبين، قال "العبسى": هذا ينعكس بشكل إيجابى على مصر مقارنة بـتركيا؛ لأن الأتراك على دارية الآن بأن حجم الواردات المصرية انخفض عما سبق من جميع الدول بعض إجراءات تقنين الاستيراد، وبالتالى كان لا بد من التفكير في حلول بديلة لتوسيع العلاقات بعيدا عن الاستيراد لأنه مع ارتفاع سعر الدولار لم تعد هناك منافسة في الأسواق الخارجية للاستيراد، ما يؤثر غى البيع مما كان يستلزم البحث عن إجراءات بديلة تتمثل في "تصنيع الماكينات" للصناعات المغذية للصناعات الكبرى وتسويقها داخليا ممن يصنعوا تلك المنتجات المحلية، كما أن الصناعة التركية من أهم الصناعات في مصر، فهى تنافس نظيرتها الأوروبية وبأسعار أقل وذات جودة تتفوق على المنتج الصينى.
وفيما يتعلق بمعوقات التبادل التجارى بين البلدين، أوضح أنه لا توجد معوقات بعينها للتبادل بين البلدين، فلا توجد معاملة خاصة للمنتج التركى، والمستثمر التركى يتعامل كأى مستثمر آخر بغض النظر عن جنسيته، مشيرا إلى أن حوافز الاستثمار بالسوق المصرية تتمثل في الاستقرار السياسي والعمالة المصرية وأسعار الطاقة وامتيازات قانون الاستثمار الجديدة، إضافة إلى الاتفاقيات التجارية الموقعة بين مصر وغيرها من دول أخرى.
من جهته أكد شريف البربرى، عضو جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين، أن الجانب التركى يرحب بالمقترح المصرى بإنشاء مدينة صناعية هندسية متكاملة، وذلك من خلال إنشاء ماكينات.
وقال: العلاقات الاقتصادية المشتركة "منافع تبادلية"، حيث تعد مصر بالنسبة لتركيا بوابة كبيرة لأفريقيا، وإنشاء المدينة الصناعية الهندسية يسهم في تصنيع ماكينات لاستخدامها في التصنيع، هذا في الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلى أي استثمارات جديدة.
"نقلا عن العدد الورقي.."..