رئيس التحرير
عصام كامل

لا تحسنوا الظن برؤساء أمريكا!


قرار ترامب الأحادي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يخرج أمريكا من دائرة النزاهة ويجعلها وسيطًا غير مؤتمن بل منحازًا لإسرائيل بلا مواربة ومن ثم فلا يتصور عاقل، فضلًا على أن يكون صاحب حق يراد هضمه أن ترد إدارة ترامب الحق لأصحابه.. ولا يبقى للعرب إذا كانوا جادين في مسعاهم لاسترداد وإبطال قرار ترامب الظالم إلا التحرك بوعي وقوة في الأوساط الدولية لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقوى الرافضة للقرار الأمريكي، وفي القلب منها الاتحاد الأوروبي ورسيا ليس لاستبدال وسيط بآخر ربما لا يكون أفضل منه.. لكن لانتزاع قرار أممي يبطل قرار ترامب، وتشكيل جبهة دولية غير منحازة لترعى عملية السلام بنزاهة وموضوعية..


فإذا كانت هذه هي بداية تعامل ترامب وإدارته مع النزاع العربي الإسرائيلي، فكيف نتوقع شيئًا مغايرًا أو مسارًا غير منحاز لإسرائيل مستقبلًا.. أمريكا لم تعد "أمينة" على حقوقنا المهضومة.. والاستسلام لهذا المسار الخاطئ معناه التسليم والاستسلام للإرادة الصهيوأمريكية الراغبة في تمكين "اليهود" من حلمهم المزعوم بدولة تمتد من النيل إلى الفرات.. ولتكن رسالتنا لواشنطن: كفوا عن الاعتداء على حقوقنا.. لسنا في حاجة إلى وساطتكم المجحفة! وكفانا ما تجرعناه من حسن الظن برؤساء أمريكا السابقين وآخرهم "أوباما" المراوغ الذي خدعنا ببشرته السمراء وجذوره الأفريقية وكلماته المعسولة التي تفاءلنا بها، فإذا به وهو الحائز على جائزة نوبل للسلام قد تورط في قتل السلام وتفجير المنطقة العربية وإغراقها في الصراعات والتناحرات والثورات والاضطرابات ليتسلمها خلفه ترامب "لقمة سائغة" سهلة الابتزاز والتوجيه!

أوباما نجح في توظيف "هبات الشارع العربي" وتيارات العنف المتأسلم لتدمير دولنا من الداخل، وتشويه الصورة الناصعة "للإسلام" الذي هو بريء ككل الأديان السماوية من الإرهاب والعنف السياسي.. كما استخدم ورقة "حقوق الإنسان" لابتزاز دولنا ومحاولة اختراقها بيدي حفنة من أبنائها، تارة باسم الدين، والمذهب، وتارة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لم يخف أوباما وإدارته كما كان سلفه بوش وإدارته رغبتهما في إحداث "فوضى خلاقة" في عالمنا العربي دون سواه، وعمل على بث سموم الكراهية عبر ما يسمونه نظريات "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ" وكثيرًا ما بشرنا بالتغيير وهو قطعًا تغيير موازين القوى لصالح إسرائيل، تغيير خرائط الدول عبر إعادة تقسيمها وتفتيتها وليس ذلك سرًا بل هو أمرٌ معلوم تتناقله مواقع الإنترنت ومراكز الأبحاث الدولية، وما نرى نتائجه في اليمن والعراق وليبيا بلا مواربة.

لا نلوم أوباما على خداعه لنا، بل نلوم أنفسنا أننا فهمنا كلامه وخطابه بجامعة القاهرة على طريقتنا.. نلوم أنفسنا على أننا فرطنا في حقوقنا وسيادتنا وزججنا بأنفسنا والمنطقة في أتون حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ثم ها هو ترامب يحاول فرض سياسة الأمر الواقع علينا ابتغاء مرضاة اللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل في أمريكا.

المتعصبون منا للمذهب أو الطائفة أو الجماعة أو المصالح الضيقة والفاسدون المفسدون قد أضاعوا الأوطان وجعلوها لقمة سائغة على مائدة الأعداء، ولو لم نستفق جميعًا ونعيد ترتيب أوراقنا بسرعة في مواجهة هذا الإعصار "الترامبي" المجنون فلا نلوم إلا أنفسنا.. والتاريخ لن يرحم المتخاذلين!!

على أصحاب القضية أن يتوحدوا وينبذوا خلافاتهم ويتفقوا على خطة موحدة للمواجهة.. فإذا لم يجد ترامب وحلفاؤه وقادة إسرائيل ما يجبرهم على التراجع فلسوف تضيع الحقوق العربية واحدًا تلو الآخر! على الشعوب العربية أن تبقى جذوة المقاومة والرفض مشتعلة وحاضرة بقوة، وعلى الحكومات العربية استثمار الموقف الدولي الرافض لقرار الإدارة الأمريكية، واستخدام أوراق الضغط دون خشية رد الفعل الأمريكي.
الجريدة الرسمية