نفحات.. الذكرى تنفع المؤمنين
من أراد أن يعرف أين مقامه من الله فلينظر فيما أقامه، ومن أراد أن يعرف حاله مع الله تعالى فليزن نفسه بميزان الصالحين وليقس حاله بأحوالهم، أصل الصلاح وسلوك طريق الله تعالى هو إخلاص النية والصدق في القول والفعل والحال فهما براق العروج للحضرة، تبدأ رحلة السالك لطريق الله عز وجل بالتوبة ومعناها الندم على الذنوب والمعاصي والمخالفات، وقيل هي الندم على ما فات وعقد النية على عدم الرجوع إلى المخالفات والاستقامة على الطاعات فيما هو آت، لا يملك العبد لنفسه التوبة فهي تأتي من الله سبحانه لقوله تعالى: "ثم تاب الله عليهم ليتوبوا"، والمطلوب من العبد إخلاص النية والصدق في طلبها وأن يدلل على ذلك بمخالفة هوى النفس والاجتهاد في أعمال الطاعة..
إذا أذنبت لا تيأس ولا تقنط من رحمة الله جل جلاله فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، المهم ألا تركن وأن تلزم الإقرار والاعتذار فمن أقر بذنبه فلا ذنب له ومن اعتذر تاب وأناب، حياة القلوب واطمئنانها في ذكر الله عز وجل: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، والذكر على ثلاث: ذكر اللسان، وذكر الجوارح، وذكر الجنان، وهو ذكر اللسان والجوارح والقلب.
وذكر الجوارح هو أن تضع كل جارحة من جوارحك حيث أمرك الله، وذكر اللسان بإمساكه عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور والقول الفاحش البذيء وإعماله بقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة على رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وذكر العين بغض النظر إلى المحرمات وكثرة النظر إلى القرآن، وذكر الأذن بألا تتصنت وألا تتجسس وألا تستمع إلى الغيبة والنميمة، وذكر اليد بالا تأذى وألا تبطش وألا تمتد إلى ما حرمه الله تعالى، وذكر الصدر ألا يحمل غلا ولا حقدا ولا ضغينة لأحد من الخلق، وذكر القلب أن لا يتعلق بالأغيار، أي، بما سوى الله تعالى، وأن يكن سليما معافا من حب الدنيا والتعلق بها وأن يكن عامرا بمحبة الله ورسوله والصالحين وحب الخير لجميع الخلق، وذكر البطن أن لا يدخل فيها طعام أو شراب محرم ومن الحرام، وذكر الفرج أن يحفظ من الزنا..
وذكر القدم الإمساك من خطوات السوء، وذكر العقل في التأمل والتفكر والتدبر والنظر في آيات الله تعالى وعظيم إبداعه سبحانه، وأفضل الذكر قول لا إله إلا الله، وسيد الذكر الاستغفار، وأعظمه الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا وأما عن فضله فهو عظيم أكبر وأجل من أن يحصى منه ما جاء في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"، وقوله عز وجل: "أنا مع عبدي ما تحركت شفتاه بذكري"، وقوله سبحانه: "أنا جليس من ذكرني أنا حبيب من ذكرني أنا أنيس من ذكرني، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".
وقول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم لصحابته رضي الله عنهم: "ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الورق والذهب والفضة في سبيل الله وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربون أعناقكم، قالوا، بلى يا رسول الله قال، ذكر الله".
للجهاد في سبيل الله مظاهر عديدة منها الجهاد بالمال والنفس والكلمة وأعظمه جهاد النفس، ومعناه مقاومة هوى النفس وميل الطبع وجمح شهوتها والعمل على تزكيتها، قد يتوهم البعض أن هناك بين العبد وربه عز وجل مسافة، وأنه بعيد وهذا توهم خاطئ فليس بين العبد وربه أدنى مسافة، فهو تبارك في علاه أقرب من القرب وهو عين القرب وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، ومن مظاهر رحمة الله تعالى بعبده العاصي أنه لم يقنط من رحمته وإذا ناداه وقال، يارب، يقول له سبحانه ثلاث، لبيك لبيك لبيك عبدي..
ومنها أنه تعالى يبدل سيئاته حسنات ويجعله ضمن أهل محبته، يقول سبحانه: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"، لا تسوف في التوبة فالموت يأتي بغتة، حاسب نفسك من قبل أن تحاسب، وزن عملك من قبل أن يوزن عليك، وتذكر دوما أنك ملاقي الموت وإنك مفارق وخارج من دنياك صفر اليدين، ولن يرافقك في قبرك شيء سوى عملك، ولا تنسى يوم وحدتك فيه، فكن عبدا مطيعا ذاكرا لربك حتى يؤنسك في وحدتك، وفي الختام اللهم أرزقنا حسن الختام.