رئيس التحرير
عصام كامل

شعبية طاغية!


ويبدو طبيعيًا في ظل ما حققته كرة القدم من شعبية طاغية ونجاحات كبرى أن يحظى الفريق الوطني لأي دولة باهتمام رئيسها، في محاولة لتوظيف ذلك سياسيًا، وربما يفوق هذا الاهتمام مجالات أخرى؛ أملًا في كسب رضا الشعوب وتعويض ما خسروه في ملفات أخرى.. وقد وجدنا بوتين رئيس روسيا يحضر قرعة المونديال المقرر إقامة مبارياته في يونيو المقبل ببلاده.. والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تسافر لمؤازرة فريق بلادها بمونديال جنوب أفريقيا في مباراته أمام منتخب الأرجنتين الذي مُني بهزيمة ساحقة على أيدي الماكينات الألمانية.. ولا غرابة أن يتخلف أوباما عن اجتماعات قمة العشرين بمونتريال ليتابع مباراة منتخب بلاده أمام غانا في مونديال أفريقيا أيضًا..


ولا عجب أن يحرص رئيس البرازيل على وداع فريقه في المطار مثلما يفعل رؤساء دول كثيرون أرادوا إظهار مبلغ اهتمامهم وحرصهم على ما يجلب السعادة لقلوب مواطنيهم، وإظهار أمنياتهم بفوز منتخبات بلادهم تمامًا كما يتمنى عامة الناس من شعوبهم.. أما حين يخسر هذا الفريق أو ذاك فإن بعض الرؤساء هم أول من يبادر بغسل يديه من تلك الخسارة ويتبرأ من المتسببين فيها، بل لا يتوانى عن محاسبتهم وكأنها هزيمة عسكرية وليست مجرد مباراة في لعبة كرة القدم مادام الهدف هو مغازلة الشعوب وكسب قلوبها من أقرب طريق.

حدث ذلك في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا، ذلك أن الدنيا قامت ولم تقعد في البرازيل وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا ونيجيريا عقب خروجها جميعًا من المنافسات، فطالبت وزيرة الرياضة الفرنسية حينذاك بحل اتحاد الكرة على خلفية الخروج المهين لفريق بلادها، وهو ما تصدى له الـ«فيفا»، رافضًا إياه شكلًا وموضوعًا بل هدد رئيسه بتعليق عضوية فرنسا التي لم تجد مفرًا من الضغط على رئيس اتحادها ليقدم هو استقالته؛ للإفلات من عقوبات الـ«فيفا» الذي يرفض رفضًا باتًا حل أي اتحاد كرة قدم بالطريق الإداري، وهو مبدأ ينفذه بصرامة وحسم دون تهاون أو استثناء ما يجعله أقوى من أي حكومة وحتى من الأمم المتحدة ذاتها بإصراره على تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء..

وهنا يثور سؤال: لماذا نجح الـ«فيفا» فيما فشلت فيه المنظمات الأممية.. والإجابة لأنه يستمد قوته من الشعوب بينما تستمد الأخيرة قوتها من الحكومات وشتان بين القوتين.. لماذا تفوقت كرة القدم على غيرها من اللعبات، واحتلت مرتبة الصدارة في الاقتصادات الكبرى.. حتى أن ما يمنحه الـ«فيفا» للفريق الفائز بالكأس يكفي لمنح أكثر من 150 جائزة نوبل.. لماذا جمعت الكرة ما فرقته السياسة..

والجواب أن الشعوب وجدت فيها ما افتقدته في مضمار السياسة وألاعيبها القذرة ففي الكرة شفافية وعدالة.. وفي السياسة غموض وتحيز ومصالح.. في الكرة تشاهد الجماهير العريضة مباريات فرقها على مرأى ومسمع من الجميع.. ويمكنها الحكم على اللاعبين والحكام، وهي طرف أصيل ومؤثر في مجرياتها.. أما السياسة فتجري خلف الكواليس وبعيدًا عن أعين الناس الذين يتلقون أخبارها وقراراتها دون مناقشة أو مشاركة حقيقية أو حتى معرفة سابقة بها.. وإلا فكيف نفسر ما يجري في اليمن وسوريا والعراق وليبيا؟!
الجريدة الرسمية