رئيس التحرير
عصام كامل

"أخونة" العقل العربى ضمانة لحكم "الجماعة"


بسهولة يؤمن أرباب الجماعة إياها أن حكمهم للبلاد والعباد لن يستتب إلا بتحول الشعب من مواطنين فى وطن حر إلى رعايا فى دولة المرشد، بعدها لن يعارض أحدهم حديثك متى قلت أنهم مسئولون عن أزمات اقتصادية واجتماعية وجرائم سياسية وجنائية، واعتداءات على الحريات وتجاوزات بحق السلطات، فقد أصبحت بلا عقل يفكر، أو لسان يطابق كلمة حق على واقع مُعاش.

وفلسفة الجماعة تعتمد مناهج متفاوتة فى التعامل مع أولويات مشروعها، ابتدعت معها ما يمكن تسميته بـ"علم نفس الإخوان"، فتارة تستدعى أساليب يهود صهاينة أصدقاء قادتها فى تشبيه الجماعة بـ"شعب الله المختار"، وتارة أخرى تتحدث عن بشاعة ما عاشته من "محرقة" طوال عقود ماضية، لكنها تكرر وعودها بالانتقام من الكافة دون تمييز بين صديق دافع عن حقها يومًا ما، وخصم جار عليها، أو حاكم تلاعب بها وداعب "أعضاءها" بخفة وحنين زائدين.

الجماعة التى تراقص شوارع الأمية فى بلدان عربية، لا تدع مناخًا متقلبًا إلا وسعت للاستفادة منه، ففى "أم الدنيا" قدمت نفسها لأوباما بديلًا مثاليًّا لمبارك، وأكبر ضامن لأمن الكيان الصهيونى، وعبرت عن ذلك بخطابات مندوبها فى جهاز الرئاسة إلى صديقه فى تل أبيب، بينما فى الأردن الشقيق تعتبر غياب إصلاحات غير مرضىّ عنها لا تطال السلطة الملكية، غير ذات جدوى، وتفترض فى بقاء ملك الأردن ضمانة لأمن إسرائيل، وتشيع اعتباطًا قبوله وجود قوات وقواعد أمريكية بالمملكة استعدادًا للتدخل فى سوريا، والأخيرة باتت مباعة سلفًا منها لأصحاب المشروع الشرق أوسطى الجديد.

ولأن الأصل واحد والمنبت متشابه، ترى الجماعة تتباهى برفع الدعم كلية عن وقود الفقراء فى مصر وإذلالهم برغيف الخبز عبر الترويج لإنجازات وزير "صايع بحر" يفترض فى الوصول إلى أنبوبة البوتاجاز "حلمًا لكل مصرى"، بينما مظاهراتها تشتد فى الأردن لتجمد قرارًا ملكيًّا بزيادة فى أسعار الوقود لا تتجاوز 10 % للمرة الثانية، متهمة إياه بالرضوخ لضغوط البنك والصندوق الدوليين، لاحظ وجود فوارق تبدو واسعة بين مستوى المعيشة لدى الأردنيين والمصريين، وانخفاض معدل التضخم فى الأردن عنه فى مصر، بلغ 5.5 % مقابل 8 % خلال الشهر الجارى على الأقل.

مفهوم السيادة الإخوانجى يصعد تدريجيًّا بأعضاء الجماعة نحو اللامعقول من القول، وغير المفهوم من الفعل، وصولًا إلى المجهول من العبث، فنهضة المشروع الخاص بهم تستلزم اقتناع مريديهم ودراويشهم بأحادية التوجه وتوحيد نموذج التبعية المطلقة للفرد القائد، دون النظر إلى مصلحة جماعية تنهى حالة التراتبية الداخلية للتنظيم، أو استبيان حقيقة المصلحة العامة والمشتركة مع مختلفين معهم خارجه من شركاء الوطن، فالأخير لا وجود ولا حدود له فى أبجدياتهم.

حينما ظهر النموذج الإخوانجى المتأسلم فى السلطة بمصر لم يسترعِ انتباه تل أبيب قوته أو تلونه وإنجازه مهمة إقناع كثيرين من الشعب بضرورة "تجربة" حكمه كحل سماوى، لتقف مصوبة عينيها باتجاه قوة الجيش وحالته ومعنويات رجاله وكفاءتهم فى معارك غير تقليدية استدرجوا إليها فى سيناء وداخل المدن دعمًا للأمن العام، بينما أدارت ظهرها تمامًا للحالة الاقتصادية المصرية بعد اطمئنانها على تراجعها بفعل سياسات "تجار" الرأسمالية العالمية، الذين لا قيم عندهم تعلو فوق قيمة "الريع". 

وعندما اصطدمت أحلام المشروع الصهيوأمريكى بشبه المقاومة الثورية العربية، كانت حلوله إخوانية- قطرية جاهزة للتعامل اقتصاديًّا وسياسيًّا مع الحالة المصرية، و"جهاديًّا" مع الحالة السورية، مع تجميد الرؤية وإشاعة الضبابية تجاه اليمن وسوريا وليبيا إلى حين، ومع تباين الأداء الدولى والإقليمى تجاه ملف دمشق، ربما تنتقل كلمة السر الثورية من تونس إلى الشام.. حتى تستوفى الأخونة شرط الطاعة الذى لا يفهمه كثير من المتابعين للأوضاع هناك. 

الجريدة الرسمية