رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: بكى حزقيا فأخذ 15 سنة!

ليديا يؤانس
ليديا يؤانس

قصة حقيقية حدثت منذ آلاف السنين تقول؛ مَلَكَ مُلوكٌ على شعب بني إسرائيل، أغلبهُم كانوا مُلوكا فاسدين، صنعوا الشر ولم يخافوا الرب، والأقلية مِنهُم كانوا يخافون الرب، وعملوا المُستقيم في عينيه.


حزقيا وهو ابن خمس وعشرين سنة مَلكَ على شعب الله، ومَلكَ تسعة وعشرين سنة في أورشليم.

حزقيا اتكل على الرب إله إسرائيل، وبعده لم يكن مِثلهُ في جميع مُلوك يهوذا ولا في الذين كانوا قبله، التصق بالرب ولم يحد عنه بل حفظ كل وصاياه، وعمل المستقيم في عيني الرب؛ كسر التماثيل، قطع السواري، سحق حية النحاس التي عملها موسى لأن الإسرائيليين كانوا يوقدون لها ودعوها نخشتان، ولذا كان الرب معه، وحيثُما كان يخرج كان ينجح.

حزقيا الملك كان له أعداء يُريدون الانتصار عليه، وتدمير إسرائيل شعب الله، فتلقى رسائل تهديد من غلمان ملك آشور، ولكن أشعياء النبي طمأنه وقال له هكذا قال الرب؛ "لا تخف".

أخذ حزقيا رسائل التهديد، وصعد إلى بيت الرب، ونشرها أمام الرب، وصلى أمام الرب وقال: أيها الرب أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض، أمل يارب أذنك واسمع وأفتح يارب عينيك واسمع وانظر كلام سنحاريب الذي أرسله ليُعير الله الحي.

في تلك الأيام مرض حزقيا للموت، فجاء إليه أشعياء النبي وقال له هكذا قال الرب: أوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش.

فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب قائلًا: آه يارب أذكر كيف سِرتُ أمامك بالأمانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك وبكى حزقيا بكاء عظيما.

وقبل أن يخرج أشعياء إلى المدينة الوسطى، جاءهُ كلام الرب قائلًا؛ إرجع وقُل لحزقيا رئيس شعبي هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعتُ صلاتك قد رأيت دموعك هاأنذا أشفيك، وفي اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب، وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة!

قصة موت حزقيا الملك، وزيادة الرب لعُمره خمس عشرة عامًا مذكورة في "ملوك الثاني إصحاح 20".

بالتأكيد الموت مُرعب ومُخيف لكُل الناس، مهما إن كانت إمكانياتهم وقامتهُم الروحية والجسدية، وإن كان بعض الناس لا يتفقون معي ويقولون؛ أن بعض القديسين وخصوصًا الرُهبان، الذين يحيون حياة روحية عالية ويشتاقون للوجود الدائم في حضرة الله، يطلبون بلجاجة الانتقال للعالم الآخر!

سؤال لكل إنسان؛ ماذا سيكون رد فعلك لو تلقيت نفس الرسالة التي تلقاها حزقيا بالاستعداد للموت؟!

حزقيا الملك رئيس شعب الله، الرجل الذي فعل كل شئ حسنًا في عيني الرب، وضع وجهه في الحائط وبكى بكاءًا عظيمًا، وأنت ماذا سيكون رد فعلك؟ّ!

نعم، الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياة كل إنسان، وللأسف ليس هُناك مّفر من هذه الحقيقة المُرعبة التي يخشاها كُل إنسان، ولهذا السبب الرب جعل هذا اليوم غير مُعلنًا للإنسان، وأيضا كل الأيام المُستقبلية في حياته!

الرب لا يُريد أن يُعكر صفو حياتنا بهذه الحقيقة المؤلمة، أنهُ يُريدنا أن نحيا أيام حياتنا بدون تكدير.

أنا واثقة أن الخمس عشرة سنة التي أخذها حزقيا زيادة على عمره، لم تسعده كثيرًا، لأنه ما زال يحسب سنوات عمره الباقية وأصبح مُترقبًا لحظة انتقاله.

عاصرت هُنا في بلاد المهجر، اثنان من أشد الرجال قوة وبأس، كانا لا يخشيان أي شي مهما كان عنيفًا أو صعبًا!

أحدهما تخطى الثمانين من عُمره، قالوا له أن المرض خطير وليس هُناك المزيد من الأيام، قُمت بزيارته في المستشفى، أنهُ صامت لم يتكلم، ولكن من عينيه تقرأ كل الأسف والحزن والمُعاناة، يمكنك أن تحس كم المرارة الجاثمة في قلبه!

الرجل الثاني كان في العقد السادس من عُمره، كان مليونيرًا، ولكن ماذا تفعل الملايين أمام هذه الحقيقة المُرعبة، قالوا له؛ في غضون شهور قليلة سوف تُفارق الحياة، سمعت من الناس، أنهُ بكى بكاءًا مرًا أمام أسرته والأطباء!

الله لم يعط سره للأطباء، قد تتحقق تخمينات الأطباء بناءً على الحقائق الطبية، ولكن ليس بالتأكيد تحقيق أقوالهم، أنها مازالت تحت الإرادة الإلهية.

أعرف فتاة ظلت في غيبوبة مُدة ثلاثة شهور، الأطباء أقروا بأن كل شيء في جسدها قد مات، وأن عقلها مُتدمر تمامًا، والدتها رفضت رفع الأجهزة التي تبقيها على قيد الحياة، وللأسف كانت المفاجئة التي أذهلت الجميع، أنها أفاقت من الغيبوبة والآن هي تعيش بكامل صحتها جسديًا وعقليًا!

لماذا هذه القسوة والجبروت وعدم الرحمة من الأطباء والناس؟!

نعم، الأطباء قد يعلمون أنه عندما تتدمر أعضاء الجسد بسبب الأمراض الصعبة، فمعنى ذلك أن الإنسان سوف يموت ربما في خلال فترة قصيرة، قد يُحددون المدة وللأسف قد تخيب تنبؤاتهم، ويعيش الإنسان عشرات السنوات!

يجب على الأطباء والأشخاص، الذين يتبرعون بمثل هذه الفتاوى، توخي الحذر والرحمة بالإنسان المريض وأحباؤه، لأن ذلك يُكدر حياته وعائلته، الذين يستنشقون نسمة أمل ورجاء في الشفاء ومزيدًا من سنوات العمر!

أتمنى من الأجهزة الصحية، المسئولة عن الأطباء والمُمرضين والذين يعملون في المجال الطبي، أن يخصصوا دورات تعليمية في كيفية التعامل مع المرضي من الناحية النفسية، لأن المريض ليس جمادًا أو آلة، بل أثناء فترة مرضه يُصبح مرهف الحس بالنسبة لسلامته وحياته بشكل عام، أنه يُريد كلمات التفاؤل والأمل في الشفاء، حتى ولو ليس هُناك أمل في الشفاء أو الحياة!

أتمنى أن تضع نفسك في نفس موقف الإنسان المريض وعائلته، التي تعاني من الخوف على فقدان عزيزهُم!

أتمنى أن تقفل على الكلمات في فمك قبل أن تتفوه بها، تقفل على الكلمات أو التلميحات أو النصائح التي تَحُث المريض على الاستعداد لأن الموت على الأبواب!

أتمنى من الناس الذين يتعاملون مع الإنسان المريض، أن يضعوا في الاعتبار أن كلماتهم أو نصائحهم قد تؤثر على نفسية المريض فتجعله يموت قبل ميعاد الموت بسبب اليأس أو الخوف!

أتمني من الأحباء والقريبين من الشخص المريض، أن يضعوا أمام أعينهُم حقيقة هامة وهُمْ يتعاملون مع الشخص المريض، أنه لا بد من إعطاء المريض الاهتمام والإحساس بأنهم يحبونه ومُتمسكين بوجوده في وسطهم، أنهم يحبونه ولا يريدون التفريط فيه!

نعم، لقد سمعت عن كثيرين عندما شعروا بدفء محبة الآخرين لهم، ساعدهم ذلك على الشفاء والتمسك بالحياة وعاشوا سنينًا عديدة!

في النهاية أتمنى للجميع الحكمة والسلامة!
الجريدة الرسمية