كل دُول فى عَمّان
طبعاً كنت أعرف ذلك، ولكن ربما لأني أبحث بالإبرة عن أي فرحة في أيام الإخوان السوداء، ربما أنت مثلي تبحث عما يجعلك تشعر بحرارة أنك مصري.. لذلك هزتني اللوحات المرسومة بفن وعناية لفنانين عظام: أم كلثوم ويوسف شاهين وفاتن حمامة ونور الشريف ونجيب الريحاني وعبد الحليم حافظ.
كنا في مطعم بمدينة عمان بالأردن منذ أسابيع قليلة، بدعوة كريمة على العشاء من الدكتور الرينتاوي رئيس مركز القدس للدراسات.. وكان الحضور صحفيين وسياسيين وأعضاء برلمان ومسئولين ورفاقا من تونس والمغرب واليمن، عشاء دافئ مركز ما يحدث في مصر.
صحيح أنني كنت أمزح مع أصدقائي الأردنيين وأقول لهم: تتحدثون عما يحدث من "مآسي" في مصر وكأنكم تتفرجون على ماتش كرة قدم، تشجعون اللعبة الحلوة وتنتظرون من سيفوز لأنه سيغير مصيركم هنا في الأردن.
لكن الحقيقة هي أنهم موجوعون بمصر، ويتابعون أدق التفاصيل، ويناقشونك بجدية وانفعال لميس الحديدي في برنامجها، ويذهبون مسرعين إلى بيوتهم حتى لا يفوتهم برنامج باسم يوسف.
هذا الوجع بمصر تصادفه في كل مكان، فقد قالت لي الأستاذة هنادي فؤاد بحسرة إنها تعرف أسماء الشوارع والأحياء وكورنيش النيل من أفلام الأبيض الأسود، من أفلام فاتن وشادية، وأنها دائما ما تزور مصر.
ولكنها عندما زارتها منذ عدة أشهر تحسرت، فهذه ليست مصر وهؤلاء ليسوا لمصريين "اللي بعرفهم"، وأصرت السيدة مي طلفاح على أن تجلس معي على الغذاء لكي تؤكد لي أنها تؤيدني في كل ما قلته في ورقتي بالمؤتمر بسبب الورقة التي قدمتها عن حرية الصحافة في زمن الإخوان، رغم أنهم قلة متعاطفة مع إخوان مصر، ربما يكونون من إخوان الأردن، ولكن الأهم أن السيدة النبيلة كانت تسدي لي النصائح حتى تخرج مصر من مأزقها وطالبتني بضرورة توحد المعارضة.
هذه الحرارة صادفتني في الحفل الختامي لمشروع رسل الحرية الذي يقدمه مركز حماية وحرية الصحفيين بالأردن، ففي مدخل مسرح البلد كانت أفيشات أفلام شادية وفاتن حمامة وأحمد مظهر.
وفي الحفل حرارة شباب لن يسمح أبداً كما قال أخي وصديقي نضال منصور بأن يتم سرقة الربيع العربي، شباب رفع سقف الحرية إلى أعلى عنان السماء، وقدم تشريحا فنياً لأوجاع الأردنيين ، شباب موصول بشباب ميادين مصر الذين صنعوا ثورة نبيلة والذين يضحون بدمائهم حتى تصل إلى مرساها.
إنها مصر التي تجد تجلياتها من المحيط إلى الخليج، إنها مصر التي يتحسر عليها كل من أصادفه في أي بلد غير عربي بسبب ما آلت إليه.
هي مصر التي يكرهها الإخوان وحلفاؤهم، مصر التي يقاتلون لتدميرها، مصر التي لن يقدروا على سرقة أحلامها.