رئيس التحرير
عصام كامل

حتى نفهم.. ونتذكر


لقد قامت الثورة أصلًا لتغيير وهدم نظام مستبد وفاسد، وبناء نظام جديد قوامه العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، والإصلاح فى شتى صوره.


وليست الثورة أبدًا معناها فوضى وغياب الأمن، وخروج على القانون أو تفريط فى سيادة مصر، أو إهدار لهيبة الدولة، أو الإقصاء والاستعلاء على الآخرين، أو العدوان وتغول سلطة على سلطة أخرى، أو قفز على أولويات قصوى لمرحلة تحول تاريخية تستلزم دوران عجلة الإنتاج بأقصى طاقتها لوقف النزيف والهدر اللذين يهددان مستقبل مصر واقتصادها واستقرارها الاجتماعى، وتعويض خسائرها التى تتضاعف يومًا بعد الآخر، وهو ما يهدد احتياطى النقد الأجنبى لمصر بـ«الفناء»، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه!!..

وقد تعجبت كثيرًا ممن يرى سوء أحوالنا، ثم لا يحسن ترتيب أولوياتنا.. فأيهما أحق وأجدر بأن نعمل له ونجدّ فى طلبه؟؛ ترتيب بيت تمزقه الفتن من الداخل، ووقف نزيف اقتصادى يتزايد، وتوحيد الصفوف لتحقيق أهداف محددة وضرورية عاجلة لا غنى عنها الآن.. أم الدعوة لزحف مليونى لا يخامرنا أدنى شك فى النوايا السيئة لأصحابها، وهو هدم السلطة القضائية وإهانتها..

وهى معركة خاسرة بكل المقاييس، وسينتصر فيها القضاء الشامخ النزيه.

أتصور أن ما يحتاج فعلًا لزحف الملايين هو صحراء مصر الشاسعة التى تنتظر الاستصلاح والاستزراع لتحقيق اكتفائنا من الغذاء الذى نستورد ٨٠٪ منه من الخارج.. أو دفع الناس للعمل بدلًا من استثارة فئة على أخرى.

البناء والتعمير هما ما يحتاجان لزحف مليونى حتى لا نعطى لأعداء الثورة فى الداخل والخارج مبررات هدمها وأسلحة الفتك بها.


يا سادة، إن أكثر ما يهدد ثورات الشعوب ويقودها إلى التعثر هو استعجال الخطى على طريق الإصلاح، والتمكين وفتح ملفات لم يأت أوانها، بصرف النظر عن مدى أهميتها، ونجاح الثورة، أى ثورة، مرهون دائمًا باتخاذ القرارات السلمية فى الموضوع والتوقيت المناسبين.

ولو تركت الحكومة الأمور تمضى هكذا على عواهنها فسوف تزداد المشاكل سوءًا، وتتفاقم الأزمات، ويدخل الأمن والاقتصاد وكل شىء فى مصر إلى نفق مظلم لا يعلم عاقبته إلا الله.
الجريدة الرسمية