مجزرة الروضة.. ابحث عن المستفيد
الأزمة ليست في تكفير مرتكبي مجزرة الروضة وتحويل الدفة تجاه الأزهر، وليست في تصريحات عباس شومان التي يجب ألا نتوقف أمامها طويلًا لنكيل الاتهامات إلى الشيوخ، سوف أفترض جدلًا أن الأزهر كفر الجناة.. فهل يوقف ذلك تلك المشاهد الدموية التي حولت ربوع مصر إلى سرادقات عزاء؟! وماذا يجدي تكفير عناصر هي في الأساس تكفرنا، ليس عن قناعة ولكن لإيجاد مبرر لعمالتها لجهات أخرى.
كما أن الأزمة ليست في الإخوان وحدهم، ولا في الحركات التي انبثقت عنها وسلكت طريق الدم، ولا في داعش أو القاعدة وما تفرع عنهما من تنظيمات أحلت قتل الأبرياء، ربما وجد كل هؤلاء ضالتهم في قوى أخرى تسعى للنيل من مصر، فتلاقت رغبة من يبحث عن شرعية رفضها الشعب، مع رغبة من يبحث عن وهم الخلافة، مع سلوك من يرانا كفارًا وأحل دماءنا، مع مرتزقة يقتلون بأجر، مع الطامعين في مصر والمتربصين بها ودأبوا على محاولة إسقاطها.
أزمتنا الحقيقية في أننا حصرنا أنفسنا في دائرة ضيقة، فالإخوان بحركاتها والقاعدة وداعش بمن بايعوهما لم يستطيعوا الصمود أمام مصر بشعبها وجيشها طوال هذه الفترة، والتاريخ بما يحمله من أحداث ليس ببعيد، علينا أن نوسع دائرة الاشتباه لنعرف المستفيد الأكبر من تلك الأحداث، لأنه طوع كل هؤلاء لتحقيق أهدافه.
تساؤلات كثيرة تخرجنا من تلك الدائرة الضيقة، فالسماء في سيناء لا تمطر إرهابًا حتى إذا صرحنا بأننا طهرناها وجدنا أنفسنا أمام كارثة جديدة، فمن أين يأتي هؤلاء؟ ومن أين يحصلون على السلاح وكيف يصل إليهم؟ أما جرحاهم ففي أي المستشفيات يعالجون وكيف يتم نقلهم؟ وماذا عن الجرحى الذين فروا من الحرب في سوريا إلى مستشفيات إسرائيل وقد رأينا مشاهد تجمعهم برئيس الوزراء الإسرائيلي؟ ألم يكن لإسرائيل أطماع في مصر؟ ألم تبكِ حتى الآن على سيناء بعد أن استردتها مصر؟ وإذا كان البعض يربط بين مجزرة الروضة والقبض على خلية تجسس تركية.. فلماذا لا يتم الربط بين المجزرة وما صرح به السيسي مؤخرًا في كفرالشيخ من أننا لن نفرط لا في شبر واحد من أراضينا ولا في نقطة مياه من حصتنا في نهر النيل؟ وبالتأكيد هذا الربط لا يبرئ تركيا من أطماعها هي الأخرى في مصر.
علينا أن نتوقف كثيرًا أمام أطماع إسرائيل ورغبتها في أن تظل سيناء بعيدة عن التنمية، وبالتأكيد الرئيس السيسي يدرك ذلك تمامًا فكانت توجيهاته منذ توليه الرئاسة بتخصيص عشرة مليارات جنيهًا لتنمية سيناء، وعلينا أن نقرأ حادث استشهاد سبعة سائقين وإشعال النار في سياراتهم التي كانت تحمل أطنانًا من الأسمنت من مصانع الجيش في سيناء وهو الحادث الذي سبق مجزرة الروضة بأيام قليلة، فسيارات النقل الثقيل اعتادت على نقل الأسمنت من هذه المنطقة.. فلماذا تم استهداف تلك السيارات التي تقل الأسمنت من مصانع الجيش؟ وعلينا أيضًا أن نتوقف بالقراءة أمام توجيهات الرئيس السيسي عقب مجزرة الروضة مباشرة بضرورة عمل تنمية شاملة في منطقة بئر العبد، وكأنه يرد على من يسعون لتخويف أهالي سيناء لإجبارهم على النزوح منها.
وإذا أردنا مزيدًا من المعلومات ونحن نوسع دائرة الاشتباه فعلينا العودة إلى تصريحات موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق والتي قال فيها.. ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر، وهذه سياستنا الجديدة، أن نشكل ميليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء، وعلينا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا لنتذكر إلحاح آرئيل شارون على الرئيس الأسبق مبارك في التنازل عن جزء من سيناء لحل المشكلة الفلسطينية وهو ما رفضه مبارك وطلب منه ألا يتحدث في هذا الموضوع مطلقًا.
وفي هذا السياق تقفز أسئلة أخرى لتفرض نفسها: من الذي صنع القاعدة؟ ومن الذي أسس داعش وأشرف على تسليحها؟ أليست أمريكا؟ ثم من الذي ألقى بهذا الكم من الأسلحة في الأراضي الليبية لداعش في مشهد لن يسقط من الذاكرة؟ ولماذا تصر أمريكا على البقاء في سوريا رغم خطوات المصالحة الكفيلة بحل الأزمة وحقن الدماء؟ ألم نفكر ولو قليلًا في هذا الدمار الذي لحق بسوريا وليبيا والعراق واليمن وما يطال مصر من إرهاب دون أن تمس إسرائيل؟ هل أصبحت الدول العربية وحدها هدفًا لداعش؟ هل كان من قبيل المصادفة تفكيك الجيشين العراقي والسوري والمحاولات اليائسة للنيل من الجيش المصري؟ هل من قبيل المصادفة أن تتراجع السياحة في مصر لنستجدي الروس في الوقت الذي تستقبل فيه إسرائيل ثلاثة ملايين سائح في العام الحالي فقط، وهو ما دفع نتنياهو إلى استقبال السائح الذي أتم هذا العدد ليعمل مرشدًا سياحيًا له؟
إصرار الرئيس السيسي على تنمية سيناء يحمل ردودًا كثيرة، وقد سبقتها ردود أخرى حملتها ثورة ٣٠ يونيو، كما أن عدم انجراف مصر في الحرب داخل اليمن، وإصرارها على الحل السياسي في سوريا يؤكد فطنة الرئيس السيسي في أن مصر لن تحارب بالوكالة وأن جيشها فقط للدفاع عن أراضيها، كما أن رغبة مصر في استقرار لبنان أكدتها حرص القيادة المصرية على استقبال الحريري قبل عودته إلى بيروت وعدوله عن الاستقالة، كل هذه معضلات تعوق محاولات النيل من مصر وتشتيت جهود جيشها لذلك علينا وضعها في الاعتبار إذا قررنا توسيع دائرة الاشتباه لنعرف من وراء مجزرة الروضة ومن المستفيد من ترويع أهالي سيناء لإجبارهم على النزوح منها، بالتأكيد سوف نخلص إلى أن مصر تحارب دولًا لا تنظيمات، وأن العناصر الإرهابية الموجودة في سيناء تعمل وفق توجيهات خارجية، وأن ما يحدث أكبر من إمكانيات جماعات أو تنظيمات، وسوف نخلص أيضًا إلى النتيجة الأهم وهي أن القيادة السياسية على علم بكل ذلك، لكن تشابك المصالح ورعونة قرارات البعض واختلاف التوجهات السياسية تفرض أحيانًا العمل بمقولة.. ليس كل ما يعرف يقال.
basher_hassan@hotmail.com