رئيس التحرير
عصام كامل

في تكفير «فرج فودة»!


قرأنا لـ"فرج فودة" مبكرا جدا.. كانت معركتنا أصلا مع التيار المتطرف بدأت مبكرا جدا أيضا ربما من المرحلة الإعدادية وكان منطقيا أن نتابع ونقرأ لكل من يتصدون لهذا التيار.. فقرأنا لـ"محمد أحمد خلف الله" وخصوصا مجلته الرائعة "اليقظة العربية" وكانت من أفضل مجلات التنوير على الإطلاق حتى لو كانت اليقظة تحولت إلى غيبوبة كبيرة! وتابعنا "خليل عبد الكريم" ومجموعته كلها ثم "حوار لا مواجهة" لـ"أحمد كمال أبو المجد" ثم للدكتور "أحمد صبحي منصور" والأستاذ "عبد الفتاح عساكر" ثم المستشار "محمد سعيد العشماوي" وخصوصا كتابه الأسطوري "الخلافة الإسلامية" والآخر عن "الحجاب" و"حجية الحديث" ثم لكتاب وعلماء وسطيين مثل الدكتور "عبدالله شحاتة" والأزهري الرائع الذي لم يأخذ ما يستحق من الشهرة الشيخ "أحمد حجازي السقا" وكتابه الرائع "لا نسخ في القرآن"، وغيرهم كثير جنبا إلى جنب مع كل كتابات المتطرفين ذاتها من الإخوان إلى الجماعة الإسلامية لفهم الحالة كلها وحتى لا نصبح مثلهم نقرأ في اتجاه واحد فقط.. بما في ذلك "كلمة حق" لعمر عبد الرحمن وإصدارت مجلس شوري الجماعة الإسلامية!


كان "فرج فودة" بين كل هؤلاء متميزا جدا.. لعدة أسباب أولها رشاقة جملته وأسلوبه السهل الممتع الجذاب كما كانت لكتاباته سمة معينة حتى إنك تعرفها إن وقعت بين يديك قصاصة من أي كتاب أو مقال وكانت له القدرة الفذة على تشكيل كلماته وترتيبها فمثلا يقول "فقه العنف وعنف الفقه" وهكذا كما كان فكها حتى في معاركه حتى أنه اشتبك ذات يوم مع الكاتب الصحفي "محمد الحيوان" وكان صحفيا كبيرا بالجمهورية وابن عائلة كبيرة من الشرقية تحمل اللقب ذاته.. وفوجئ الجميع بإحدى مقالات فودة يقول له فيها بعد مقدمة طويلة كلاما كثيرا: "كما إننا يمكن أن نرفع ما بيننا من تكليف فتناديني يا فودة وأناديك يا حيوان"!

"فرج فودة" وقد قرأنا كل كتبه، بل إحداها كان إهداء منه يحمل توقيعه وهو بعنوان "الملعوب" -استعاره زميلنا أشرف أنور الصحفي ولم يعد مرة أخرى!- نقول إن "فرج فودة" هذا بكل إصداراته ربما لا يصدق أحد أنه لم يتناول أمور تخص صميم العقيدة على الإطلاق وكل ما تناوله في كتبه كان عن التاريخ الإسلامي أو عدد من رموز هذا التاريخ أو عن الجماعات المتطرفة وشيوخهم أو تساؤلات يطرحها على أنصار هذا التيار وفي تناوله لكل ذلك استند إلى أشهر وأهم كتب السيرة والتاريخ الإسلامي وكانت مراجعه في كل ما كتب وهذا منطقي لأنه لم يكن موجودا في العصر الإسلامي الأول حتى لو كان صاغها بقسوة فكل ما قاله قاسي لأنه تحدث في أمور كان الأول في مناقشتها!

كان ذلك في كتبه "الحقيقة الغائبة" و"قبل السقوط " و"النذير" و"زواج المتعة" وكان حوار من خياله بين مؤيد ومعارض نقل فيه دفاع كلاهما عن وجهة نظره و"الإرهاب" و"حوار حول العلمانية" بالاشتراك مع آخرين ومع ذلك صدرت الفتاوي واحدة تلو الأخرى تكفر الرجل وتفرق دمه بين أزهريين وسلفيين ولم يوقف قتله فتوى عاقلة رشيدة واحدة تقول حتى -حتى -أن الرجل أخطأ لكن لا يجوز تكفيره أو حتى تطلب محاكمته أو قل استتابته ولكن شيئا من كل ذلك لم يحدث بل وجدنا العكس وبعض شيوخنا في المحكمة يلتمسون البراءة لقاتله!
الجريدة الرسمية