رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. «ياسمين السبع» تعالج الاكتئاب بالألوان والحرف اليدوية

فيتو

تقودنا الحياة دومًا في دروب متشعبة، بعضها نسلكه باختيارنا، والأخرى تدفعنا إليها الظروف، وهكذا فعلت الحياة مع ياسمين السبع ذات الـ 33 ربيعًا، التي تخرجت في كلية آداب قسم علم النفس من جامعة عين شمس، وعملت معالجة نفسية، ولكن بعد 6 سنوات من العمل في مجال دراستها، كانت على موعد مع طريق جديد دفعها إليه القدر، وهو طريق احتراف الصناعات اليدوية.


لم تكتف ياسمين بالسير في هذا الطريق الجديد وحده، بل قررت أن تستفيد من دراستها وعملها الأول، فدمجت بينه وبين تعليم الحرف اليدوية، لتقدم ما أطلقت عليه "العلاج النفسي بالإنتاج".



"أنا زي أي حد في مصر، اتخرجت، واشتغلت في مجال دراستي كمعالجة نفسية في أكتر من مكان، لكن دايمًا كنت شايفة نفسي مش في مكاني الصح".. لم تكن تدري أي طريق يجب أن تسلكه لتستكشف نفسها، ولكنها سارت وراء عشقها للقماش الذي دفعها لمحاولة العمل في مصنع للملابس للتعرف عن قرب على الشكل الأخير الذي تخرج به الملابس الجاهزة.

"وكنت عايزة أعرف كمان نوع الماكينات وطريقة إدارة المصنع"، ولكن رغبتها هذه قوبلت برفض تام من أسرتها، وحتى من أصحاب المصانع الذين وجدوها أبعد ما تكون عن شكل العمال وهيئتهم، "ما كانش عندي أي مشكلة إنى ألبس نفس لبسهم وأحط مكياجهم وأعيش حياتهم بس ماحدش وافق"، ووجدت ياسمين فرصتها لدى شقيقة صديقة لها تمتلك مصنعًا للملابس "اشتغلت فيه سنة ونصف وعرفت كل حاجة عن المصنع من الألف للياء".



خرجت ياسمين من هذه التجربة بيقين أن مجال عملها أبعد ما يكون عن العلاج النفسي، فهجرته مقابل العمل في الإدارة بشركة هندية للغزل والنسيج، وكانت على موعد مع التعامل من جديد مع القماش ولكن في صورته الخام الأولية.

ولكن محطة الزواج حالت دون استكمال ياسمين لمسيرتها في هذا العمل، وقررت أن تصبح ربة منزل، ولكن بدأ الملل يتسلل إليها مع مرور الوقت، ولم تمنعها ابنتاها التي رزقت بهما من التفكير في ضرورة شغل وقت الفراغ الذي سيطر على حياتها، فانطلقت في العمل بصنع منتجات الكروشيه التي كانت تعلمت أساسياتها من والدتها وجدتها وبيعها عبر الإنترنت.



إصابة في العين اليسري منعتها من الاستمرار في صنع المزيد من منتجات الكروشيه كانت هي نقطة الفصل في حياتها، فتحولت ياسمين من مجرد هاوية صانعة لمنتجات يدوية إلى صاحبة صالون مجاني لتعليم الحرف اليدوية، كالخيامية والتطريز والكروشيه والتريكو ومقره منزلها، "فتحت بيتي لاستقبال كل اللي يحبوا يتعلموا الفنون اليدوية بدون مقابل، وكان عندي كل يوم مجموعتين من 5 أفراد لمدة سنة"، وتعلم على يديها خلال هذه الفترة أكثر من 500 سيدة، "أنا هنا لقيت سعادتي الحقيقية.. لأني كنت عايزة الناس تتعلم وتكتشف نفسها وأنا اكتشفت نفسي معاهم".



بعد تجربتها هذه وجدت مكانًا لها في باب 18، وهو مدرسة لتعلم الفنون في مصر الجديدة، وكانت أول ورشة لها في يونيو 2016، وتوالت الورش التدريبية التي قدمتها ياسمين بعد ذلك ما بين الكروشيه والمكرمية والتطريز وغيرها من الحرف اليدوية التي تمارسها باحتراف.

كان هدفها من كل هذه الورش تعليم السيدات وصنع منتجات باسم باب 18، ولكن مع ضمان الربح المادي لهؤلاء السيدات، "أنا علمت في الورش دي نحو 2400 سيدة.. وأنا فخورة جدا بتجربتي".



اتسعت تجربة ياسمين واتجهت صوب العمل التنموي، وبدأت العمل مع مؤسسات مثل "بلدنا" و"جذور" لتعليم السيدات المعدمات والمعيلات في العشوائيات والمناطق الفقيرة الحرف اليدوية، ومنهن تعلمت هي الرضا وتغيرت حياتها بشكل جذري.

ومع توسع ياسمين في مجال تعليم الحرف اليدوية فكرت في الدمج بين عملها الذي أصبح حياتها، حتى أنها تقضي فيه ما يقرب من 16 ساعة يوميًا، وبين عملها بالعلاج النفسي، فاستفادت من دبلومة العلاج بالفن والمسرح التي حصلت عليها، وقررت تقديم علاج نفسي للسيدات عن طريق الإنتاج والتعامل مع الألوان وصنع منتجات مبهجة، "غالبًا مريض الاكتئاب أو الإنسان الملول واللي بيعاني من الضغوط العصبية يحتاج لتفريغ طاقته.. وأنا شايفة إن أفضل مكان لتفريغ طاقة السيدات بكل فئاتهن وطبقاتهن هي الأعمال اليدوية زي الكروشيه، التريكو، التفصيل، الخياطة، التطريز الحر، المكرمية، تشكيل الجلود، الرسم على الخزف، صبغ الأقمشة، الديكوباج، الخيامية، والتعتيق وغيرها".



"في الورش بقيت بعمل حاجة زي العلاج الجماعي Group Therapy بنتعلم الفنون اليدوية وفي نفس الوقت بنحكي ونغني"، وتستخدم ياسمين أساليبها كمعالجة نفسية في الورشة إذا لزم الأمر، وتعترف ياسمين أنها هي شخصيًا قد استفادت استفادة قصوى من كل هذه التجارب التي عايشتها، فتغيرت حياتها وحياة أفراد أسرتها إلى الأفضل.



هناك من تخرج على يد ياسمين، وورشها كانت نقطة انطلاقهن، وهن الآن يمتلكن "براندات" حققت شهرة واسعة، وعن أحلامها التي تتمنى تحقيقها كانت مدرسة "ياسمينات" أول ما فكرت فيه ياسمين، وهى المدرسة التي تحلم أن تكون من طابقين، الأعلى تتعلم فيه السيدات في ورش متجاورة كل الحرف اليدوية بلا حواجز بين هذه الورش المختلفة، والطابق الأرضي لعرض منتجاتهن، على أن يكون به أيضًا مكان مخصص للخامات، "ونفسي ألاقي تسهيلات لتصدير منتجاتنا للخارج، وبحلم أكون في يوم من الأيام مسئولة عن وزارة للصناعات اليدوية".


الجريدة الرسمية