رئيس التحرير
عصام كامل

دينا.. معلمة «فرنساوي» يقودها الشغف لاحتراف الرسم على الأطباق.. «تقرير مصور»

فيتو

لطالما كان الوصول إلى شغفنا في هذه الحياة من أصعب الأمور، وهذه الرحلة عادة ما تأخذ من عمرنا سنوات وسنوات، وهكذا كانت رحلة دينا السويفي ابنة عابدين ذات السادسة والعشرين ربيعًا في سبيل الوصول إلى شغفها بالفن، فقد كانت كفراشة تتنقل بين الزهور بألوانها الزاهية في خفة.. تنقلت في فترة لا تتعدى أربع سنوات من عمل لآخر بحثًا عن ذاتها.. عملت بلا هوادة أو راحة بحثًا عن موطن تجد فيه روحها ملاذها.. وفي الأخير وجدت أن موطن شغفها كامن بداخلها.. لم يكن يحتاج سوى شجاعة غير محسوبة لينطلق ويفجر طاقاتها الفنية المخبوءة.


دينا.. معلمة لغة فرنسية تحولت إلى فنانة عاشقة للرسم على الأطباق ومتخصصة في تحويل المساحات الصماء إلى تحفة فنية بألوانها ولمستها الفنية النابعة من روحها.



لم أكن أتخيل عند تخرجي عام 2013 من كلية التربية قسم اللغة الفرنسية بجامعة عين شمس أنني في غضون 4 سنوات سأعمل في مجال الفن الذي تشربته منذ صغري وتمنيت من كل قلبي أن أسير في أحد دروبه، ولكن والدي، بالرغم من كونه فنانًا يملك بازارات وورش في خان الخليلي إلا أنه كان لأحلامي بالمرصاد.. فقد كان يراني معلمة.. نعم كنت متفوقة في اللغة الفرنسية وعملت لفترة في مجال التدريس، ولكنني كنت كالحبيسة.. طير مقيد داخل قفص ضيق.. حاولت كثيرًا الاستمرار ولكنني فشلت وبعدها اتخذت قرارًا بالرحيل عن هذا المجال دون عودة وأن أنطلق في رحلة للبحث عن ذاتي واكتساب خبرات عملية وحياتية.



"اشتغلت في البورصة في شركات عالمية.. إقليمية.. كسبت فلوس كتير واكتسبت خبرة أكتر.. بس كان دايمًا في جوايا حاجة بتقولي إن مكاني مش هنا.. أنا أبعد ما يكون عن شغل المكاتب والمواعيد.. أنا فنانة"، لم أكن أعرف بالتحديد نوع الفن الذي أحبه.. لم أمارس حتى الرسم منذ أيام الطفولة بسبب عقدة سببتها لي إحدى معلماتي التي كانت دائمًا ما ترى أنني لا أصلح للرسم وكانت تفسد لي كل لوحاتي الصغيرة، ولكن الموسيقى كانت هي نقطة البداية.. نقطة بدايتي إلى عالم الفنون.



"بعد ما قررت إني أغير للمرة التانية مساري المهني.. بعدت عن البورصة بشكل جزئي حاولت أفتح شركة مع أصحابي في نفس المجال وما نجحتش.. واشتغلت بعد كدة مع شركة تنظيم حفلات موسيقية.. ولكن لظروف خاصة انتهى شغلي معاهم وقعدت 3 شهور في البيت بعد ما عرفت أن الفن هو طريقي"، قررت أن أستغل الإنترنت وأتعلم منه كتير عن الفنون قدر استطاعتي.

"أنا بحب أوي موسيقي الأندرجراوند.. سمعت مرة مشروع سرور واكتشفت إنه مش منتشر.. وسألت نفسي ليه؟؟.. وشغفي بالمزيكا خلاني بالصدفة مديرة فرقة موسيقية".. فقد تواصلت معه وأصبحت المسئولة عن كل ما يخص مشروع سرور وحفلاته في مصر، كان يقدم موسيقى مختلفة ويمزج بين الفولكلور والآلات الغربية.. ولكي أستطيع التسويق له توسعت علاقاتي بعالم الفن ومجتمع الفنانين، وكذلك الصحافة والإعلام.. وانغمست في هذا العالم وشعرت بشرارة الشغف تشتعل بداخلي حتى أنني أصبحت أُطلب بالاسم وتحملت إدارة كل ما يخص حفلات الفنانة المصرية العالمية هند الراوي في مصر وكذلك فرقة كراكيب.



خلال فترة عملي مع مشروع سرور تعرفت على باب 18 وهو المكان الذي شهد بداية وصولي إلى الفن الذي أعشقه.. فن الرسم على الأطباق، ففي هذا المكان الكائن في منطقة مصر الجديدة والذي يُعد مدرسة لتعليم الفنون، أصبحت مديرة المكان مسئولة كليًا عن تنظيم الحفلات والدروس الفنية، انغمست مع الفنون التي تحيطني من كل جانب، حاولت التخلص من عقدتي مع الرسم رويدًا رويدًا وأفرجت عن قدراتي الكامنة بداخلي بالرسم من جديد على الأوراق، وكانت هذه البداية.

بالصدفة أيضًا بدأت طريقي في عالم الرسم على الأطباق حينما أخبرتني صديقة لي أن عميلة تريد أن ترسم على أطباق الطعام ولكن رسومًا ديجيتال.. لم تكن لدي خبرة.. ولكن صديقتي دفعتني أن أحاول بقلم الحبر أن أعبر عما بروحي على الطبق.. وفعلتها.. وكانت النتيجة مبهرة حتى لي "أنا طلعت بعرف أرسم".. بحثت كثيرًا عن المواد المناسبة للرسم على الأطباق وتخيرت فكرة الرسم على أطباق الديكور وتخليت عن فكرة الرسم على أطباق الطعام.



عُدت من جديد إلى منصة الإنترنت وتعلمت المزيد عن فن الرسم على الأطباق الذي كان حاضرًا وبقوة في عدة حضارات عريقة كالحضارة الصينية والحضارة الإسلامية التي استلهمت من فنها الزخرفة النباتية، كما أننى أميل في رسوماتي إلى العمارة، "بحب المباني القديمة وبحب أرسمها على الأطباق.. أنا من عابدين وعشت في مصر الجديدة فكل المباني اللي بشوفها جمالية"، لذا فأرسم عادة قصور.. عمارات تنتمي إلى العصور المختلفة كالعصر الفيكتوري، كما أنني أرسم أيضًا مباني من فرنسا وبريطانيا.



"صاحب بالين كداب".. مقولة لا أؤمن بها فلقد عملت في أكثر من مجال في وقت واحد حتى أن أصدقائي أطلقوا على لقب "الدينامو"، ولا زلت أعمل مديرة إضافة إلى مجال الرسم على الأطباق الذي أصبح يمثل مصدر دخل لي حاليًا، وأنا سعيدة بما وصلت إليه وأشعر بالفرحة لأن أبي أصبح فخورًا بما أفعل بعدما كان معارضًا لي.. وأسرتي كلها.. وكذلك خطيبي الذي يشاركني ويساعدني على نجاحي.



أتعلم يوميًّا تقنيات جديدة وأجرب دائمًا لكي يصبح عملي أكثر احترافية، شاركت بأعمالي من قبل في معرض بحديقة الأسماك وكذلك في مهرجان الخزف بالفيوم حيث لاقت أعمالي إقبالًا خاصة من الأجانب بالرغم من كونى "نقطة في بحر" الفنانين المشاركين في المهرجان وكل طبق كان يُباع كأنما أفقد جزءًا مني، أما عن أحلامي.. فأتمنى أن أتمكن من تصدير أعمالي الفنية خارج مصر وأن أصل لمرحلة أتمكن فيها من نقل ما أمتلك من معلومات لغيري.. وأتمنى أن يسعى الجميع للبحث عن شغفهم في الحياة.. فلن يكون لها معنى إلا بالسعي لفعل ما نحب حقًا.


الجريدة الرسمية