رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب يغتال الإنسانية.. مرصد الأزهر: «عرائس الجهاد» سلاح «بوكو حرام» للقضاء على البشرية.. الجماعة تمارس جرائم وحشية في حق النساء.. وتخيرهن بين التفجير أو الاغتصاب

مشيخة الأزهر الشريف
مشيخة الأزهر الشريف

تشهد الأشهر الأخيرة تغيرًا ملحوظًا في إستراتيجية سفك دماء الأبرياء وترويع الآمنين وتوسيع دائرة الفوضى والدمار التي تتبناها الجماعات الإرهابية من «داعش» وأخواتها، وأصبح النساء والأطفال جزءا أساسيا من المخططات الإجرامية لهؤلاء الإرهابيين، وذلك إما بالاستهداف أو الاستغلال.


ومؤخرًا انتهجت هذه الجماعات أسلوبًا إجراميًا جديدًا شرعوا من خلاله في استخدام النساء سلاحًا يقتل الأبرياء، وقنابل تروع الآمنين، وغير ذلك من الجرائم التي لم يشهد التاريخ الإنساني لها مثيلًا من قبل.

ويتابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من خلال وحدة رصد اللغة الأفريقية، باهتمام بالغ ما تقوم به جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، ذراع «داعش» في غرب أفريقيا، من أعمال وحشية يقتلون فيها الأبرياء ويروعون الآمنين ويشيعون الفوضى والدمار، متخذين من الفتيات اللاتي انضممن لصفوف المقاتلين سواء بإرادتهن بعد أن خضعن لعمليات «غسيل مخ» و«تلويث فكر»، أو رغمًا عنهن بعد اختطافهن والزج بهن في ميدان العنف ودوائر الدم تحت وطأة التهديد بالقتل، أسلحة لتنفيذ ما أطلقوا عليه عمليات «عرائس الجهاد».

سلاح جديد
وأوضح مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن «عرائس الجهاد» مصطلح شاع استعماله مع تنامي ظاهرة النساء المقاتلات ضمن صفوف الجماعات المتطرفة من «داعش» وغيرها؛ مشيرًا إلى أن هؤلاء النساء اللاتي أُجبرن على المشاركة في عمليات «عرائس الجهاد» تتفاوت أعمارهن وتختلف مناطق إقامتهنّ وأحوالهنّ الاجتماعية، ولم يوحدهن سوى الوقوع في يد الإرهاب ومعاناة كل صنوف القهر والإجرام الذي تمارسه «بوكو حرام» بحقّهنّ.

وأكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن «عرائس الجهاد» سلاحٌ جديد تشهره «داعش» و«بوكو حرام» ومن على شاكلتهما من جماعات الإرهاب والتطرف في وجه السلام العالمي، وأن ما تمارسه هذه الجماعات الإرهابية بحق النساء جريمة لم يشهد التاريخ الإنساني لها مثيلًا من قبل؛ إذ لم تكتف تلك الجماعات التي لا مروءة لأفرادها ولا إنسانية عندهم بالاختطاف القسري والانتهاكات التي لا تقع حتى بين الحيوانات، بل دأبت على استغلال هؤلاء النساء -اللاتي وقعن فريسة للاختطاف والقهر- بصور بشعة وأشكال غاية في الوحشية، حتى صار أولئك الضحايا محطمات نفسيًا وفاقدات للثقة في كل من حولهم وحتى أنفسهن، وأصبحن يفضلن الموت على تلك الحياة المهينة التي أُجبرن عليها.

وأضاف المرصد، أن المشاركات في عمليات «عرائس الجهاد» الدموية، هن نساء تم اختطافهن من قبل عناصر «بوكو حرام»، ثم خيرن بين تنفيذ عملية انتحارية يقتلن فيها الأبرياء ويروعن الآمنين وينشرن الفوضى والدمار، أو القبول بالزواج من أحد المقاتلين لإنجاب «مجاهدين جدد».

حكايات مروعة
وفي هذا السياق يلقي مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الضوء على تقرير أعده موقع «Daily Beast» عن ظاهرة «عرائس الجهاد»، والذي ركز فيه على ما يحدث للفتيات اللاتي يقعن في قبضة جماعة «بوكو حرام» ذراع «داعش» في غرب أفريقيا

وترجم موقع «الغد» الأردني التقرير المشار إليه، مسلطًا الضوء على الظاهرة ذاتها؛ حيث أورد التقرير بعض شهادات لفتيات ونساء وقعن رهن الاختطاف القسري على أيدي عناصر جماعة بوكو حرام، وأوضح التقرير نقلًا عن المصور «فلاد سوخين» الذي التقى ببعض الفتيات المحرّرات والهاربات من قبضة تلك الجماعة الإرهابية، واللاتي رويْن قصصًا مروعة عما لاقينه تحت وطأة الاختطاف والقهر في معاقل بوكو حرام.

وتسرد «فاتي»، فتاة في ربيعها السابع والعشرين، قصّة قتل زوجها في قرية «شيا» النيجيرية، واختطافها من قبل عناصر جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، ثم اقتيادها ونساء أخريات إلى أحد معاقل الجماعة، حيث خُيرن بين تنفيذ عملية انتحارية أو الزواج من أحد المقاتلين لإنجاب «مجاهدين جدد».

ولم تختلف قصة «فاتي» كثيرًا عن «زينب» ذات الثلاث وعشرين ربيعًا، والتي قُتل زوجها أمام عينيها بعد زواجهما بشهر واحد، وحدث معها نفس السيناريو بعد ما تم نقلها إلى أحد معاقل الجماعة؛ إذ تم تخييرها بين الموت في عملية انتحارية أو القبول بأن تكون زوجةً لمن تختاره الجماعة من مقاتليها، وحين رفضت تعرّضت لسوء العذاب من جلد وإهانة طالت حتى أمّها، ثمّ نُقلت إلى قرية صغيرة أُجبرت فيها على الزواج من الرجل الذي اختارته جماعة «بوكو حرام» لها، وظلت تعاني كل أصناف الذل والإهانة قبل أن تتمكن من الهرب بعد أن حملت من الرجل الذي زُوجت به على غير إرادتها وأنجبت ابنها «عبد الله».

اختطاف واغتصاب
أما «إسر» وهي فتاة لم تتجاوز التسعة عشر عامًا، فقد تم تخديرها واغتصابها، ثم أُجبرت على الزواج من أحد أفراد «بوكو حرام» قبل أن تتمكن من الهرب بابنتها ذات الستة أشهر، منتهزةً فرصة وقوع اقتتال بين فصيلين من فصائل الجماعة الإرهابية مما أتاح لها وبعض الفتيات الأخريات فرصة الهروب من هذا الجحيم.

تقرير موقع «Daily Beast»، يتضمن قصصًا أخرى لضحايا أخريات جمعت بينهن شباك اختطاف عناصر «بوكو حرام» ووحشيتهم في التعامل معهن، فمن الضحايا من اختطفت وأبنائها الأربعة ثم حالت الجماعة بينها وبين أبنائها، ولم تعد تعرف إلى أي حال آل مصيرهم، ومنهنّ من تسبب وقوعها في قبضة الجماعة الإرهابية وما مرت به من مشاهد مؤلمة قبل الهروب أو التحرير في إصابتها بأزمة نفسية وحالات صرع باتت ملازمةً لها، حتى صارت تخاف كل شيء وترتعد أطرافها كلّما سمعت أو قرأت أي شيء عن هذه الجماعة.

قتل الإنسانية
ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الإسلام كرم المرأة وأنصفها، بعد أن كانت تعامل معاملة دونية في بعض الأزمنة الغابرة، وأعاد لها مكانتها التي وضعها الله -سبحانه وتعالى- لها، وجعلها نصف المجتمع أمًّا وزوجةً وأختًا وبنتًا، وحدّد لها ميادين تتحرّك فيها بين تربية النشء وبناء الأجيال ومعاونة الرجال في بناء المجتمعات ونهضة الأمم، وحتى في الأزمات والحروب لم تكن المرأة في الإسلام منوطة بحمل السلاح وملاقاة العدو، ولم نكن نتخيّل أن يأتي يوم وتكون من مهام المرأة أن تفجّر نفسها في آمنين أبرياء، أو تكون مجرّد وعاء لجيل من الإرهابيين، بدعوى الجهاد والدفاع عن الدين.

ويضيف المرصد، أن الجماعات الإرهابية تهدف من وراء الجرائم التي تقترفها بحق النساء إلى قتل الإنسانية والقضاء على مستقبلها من خلال تحطيم آمال الأمم وأحلامها المنعقدة على الأجيال القادمة في مستقبل أفضل علّها تنجح في تحقيق ما فشل أسلافهم في تحقيقه؛ مشيرًا إلى أن هذه الجرائم تكشف الفرق الشاسع بين دعوات القتل والدمار التي تتبناها تلك الجماعات، وبين تعاليم الإسلام السمحة ودعوته إلى إعلاء القيم الإنسانية وتأكيده الحفاظ على النفس أيًا كان دينها أو لونها أو جنسها، وتُثبت في الوقت ذاته بُعد الإرهابيين -المتشدقين بإقامة "الدولة الإسلامية" والمدعين الحكم بما أنزل الله- عن تعاليم الإسلام ومبادئ الدّين الحنيف فيما يتعلّق بشأن المرأة ومكانتها، فأين هؤلاء من حرمة الدم والعرض؟! أتخذوا عند الله عهدًا أم يقولون على الله ما لا يعلمون؟!

ويشير المرصد، إلى أن الإسلام الذي أنصف المرأة وحرّم انتهاك حرمتها وهتك سترها بريء من جماعات الإرهاب والتطرف وأفعالهم المشينة التي لا أصل لها في دينٍ ولا أساس لها في عُرف، فما يقول وما يفعل هؤلاء الإرهابيين إلا ما زيّن لهم شياطين الإنس والجنّ فعله.

ومن هذا المنطلق يدعو مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف، إلى حماية النساء والأطفال من مخالب وأنياب تلك الجماعات المتوحّشة، ومضاعفة الجهود لتحرير من ألقى بهن مصيرهن في قبضة هؤلاء المجرمين، وكذا تقديم كافة سبل الدّعم النفسي والرعاية للناجيات من مستنقع «بوكو حرام»؛ إذ أنّهنّ في أمسّ الحاجة لاستعادة الثقة في أنفسهنّ ومجتمعهنّ حتى يستعدن دورهنّ في الحياة والذي لا تستقيم أمة بدونه.
الجريدة الرسمية