عمر وزمن اللاحكمة (3)
بعد أن اقتص الفاروق عمر للقبطى المصري الذى ضربه نجل والى مصر عمرو بن العاص ، احتد أمير المؤمنين ، موجها كلامه لـ"ابن العاص" : "ياعمرو .. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، ياعمرو .. ليست هيبة الحكم فى ترويع الناس ، ولكن فى تأمينهم ، وكف الظالم ، وأخذ الحق للضعيف، فيرتدع القوى ويأمن الضعيف ، ويعتصم الناس بالدولة بدلا من أن يعتصموا منها ،ويحفظون أميرهم القوى العادل لحفظ أنفسهم به ، وليس وراء ذلك إلا ضياع الحاكم والمحكوم معا".
هى رسالة أضعها بين يدى الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية ، ليعلم كيف تكون هناك هيبة للدولة، لأنى وببساطة أرى أن مايطالب به البعض بـ"الضرب بيد من حديد" ، ماهى إلا محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم الذى صنع هيبته من الدولة البوليسية ، لذلك اذا أراد أن يرسخ الرئيس مرسى مفهوما جديدا لهيبة الدولة ، فعليه العمل بما قاله فاروق الأمة ، وهو صنع الهيبة بـ"العدل"، وليس معنى كلامى أننى أطالب بعدم تقوية الجهاز الأمنى ، لكنى أريد أن تكون هذه القوة رأس حربة توجه للظالمين .. المفسدين .. الذين يسعون فى مصر فسادا ، وهم بالمناسبة معروفون وبالاسم ، ولكنهم يحتمون بقوانين وضعوها عندما كانوا هم النظام أو بمعنى أوضح رجال أعماله ، يحتكرون مايحتكرونه ، ويشيعون الآن الفوضى بقنواتهم وصحفهم وأموالهم التى جمعوها من "الوطن" فى ضوء "النهار" ، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
يادكتور مرسى كف الظالم وخذ الحق للضعيف ، حتى يعتصم الناس بالدولة بدلا من أن يعتصموا منها ، وحتى يساندوك ويحفظوك لحفظ أنفسهم بك ، وإذا خشيت من هجماتهم "الإعلامية المفضوحة" ، فلا تصلح أن تكون رئيسا للجمهورية الثانية التى تحدثت عنها ، واعلم أن حربك ضد رجال أعمال مبارك هى "حرب لإعادة الهيبة" ، إذا انتصرت فيها فسيرتدع من وراءهم ، ويذعنون للحق ، فمن أظهر بعدها خيرا ظننا به خيرا وأثنينا عليه، ومن أظهر شرا ظننا به شرا، وأبغضناه عليه ،وليس وراء ذلك إلا ضياع الحاكم والمحكوم كما قال عمر -رضى الله عنه-.