رئيس التحرير
عصام كامل

«الحازميين» غلاة ما بعد داعش.. خرج من رحم «تنظيم الدولة».. «الحطاب» أبرز منظريه ويضم عددا كبيرا من التونسيين والمغاربة.. طارق أبو السعد: يتبنى تأويلات فاسدة وتعسفية ولم ي

داعش- صورة أرشيفية
داعش- صورة أرشيفية

بعدما ظن البعض أن داعش هي أشد الجماعات تطرفا في التاريخ، وكادت الأمة أن تقضى عليها، ظهرت جماعة أخرى تطلق على نفسها اسم “الحازميين” نسبة إلى أحمد بن عمر الحازمي، وهى جماعة تكفر داعش والقاعدة والجماعات الأخرى، بل والمجتمعات الإسلامية كلها.


وظهر “تيار الحازميين” في شكل معارضة للمفتى العام لتنظيم داعش “تركى البنعلي” الذي قتل في مايو الماضى في غارة روسية على الرقة، وبالنسبة إلى البنعلى لا يمكن تكفير الجاهل، لكن ابن عمر الحازمى يقول بتكفير الجاهل والغافل، و”كل من وقع في الشرك بقصد أو بدون قصد”، وكانت “القاعدة” أول من هاجم الحازمي، عبر سلسلة من المقالات والبيانات.

الحازمى الذي يقبع في سجون السعودية منذ عامين، زار تونس في ثورة الربيع العربى بعد 2011 وليبيا أيضًا، وقيل إنه استمع إلى فتوى تكفير الجاهل من إسلاميين تونسيين، واعتنقها فيما بعد، وليس واضحا إن كان هو مخترعها أو ناقلها من تونس، التي شهدت ظهورًا مفاجئًا للسلفية الجهادية المروعة، ويعتبر “عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامى وتكفير من لم يكفره” أهم أصول وأفكار التيار الحازمي، وتأثرت بالحازمى أيضا مجموعة من التونسيين والمغاربة، كان أبرزهم أبو جعفر الحطاب، عضو اللجنة الشرعية لجماعة أنصار الشريعة في تونس، وأبو مصعب التونسي، أحد قيادييه، وكذلك أبو عبد الله المغربي، وغيرهم، ممن انضموا لـ”داعش” بعد إعلان خلافته، وتولوا مناصب مهمة في لجانه الشرعية والإعلامية حينها، ولا يزال البعض، على ما يبدو، موجودًا فيه.

نجح الحازميون في إقصاء كبير شرعيى “داعش” تركى البنعلي، عن صدارة مشهده النظري، واضطروه، كما اضطروا غيره من شيوخ داعش وغيره قبل وفاته، لكتابة ردود على أفكارهم وخطابهم في عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامي، كما كتبوا الردود كذلك عليه، ويصف الحازميون داعش بدولة الكفار الملاعين والتجهم، كما ورد في بيان لأحد أنصارهم، يقول فيه: “تجاوزت دولة البغى والتجهم مرحلة البيانات الكاذبة، إلى التحرك الميدانى باختطاف المؤمنين من منازلهم، والزج بهم في غياهب السجون، لأجل تكفير المشركين، وصاحب ذلك ترويع نسائهم، وانعدام الأمن والأمان الذي كان يَحلُم به كل موحد في ظل دولة البغدادي، وفعلوا كما يفعل الطواغيت المعاصرون تمامًا”.

وبينما كانت داعش تكفر النصرة لأنها تتعامل وتتحالف مع الصحوات، فإن الحازميين يكفرونها بشكل أعمق وهو تكفير العاذر بالجهل، وأصدروا التعميم الشهير “ليهلك من هلك عن بينة”، والذي كفر أغلب المجتمعات الإسلامية.

“الأصل في الناس هو الكفر”، هذا ما يراه ويعتقد به الحازمى كما ينقل عنه المقربون منه، ويؤكدون أنه لا يصلى خلف أئمة المساجد، ويقول بأن كل من أتى كفرا فهو كافر، ويعمل وفق قياس “لا عذر بجهل ولا تأويل” في ظاهرة تعسفية غريبة، تتجاهل كل تراث أصول الفقه والاعتقاد ومدوناتهما، ويعد أبوجعفر الحطاب، أحد أبرز ممثلى الحازمي، وهو الذي انضم إلى تنظيم داعش وهاجر إليه، وصار من كبار شرعييه، حتى إعدامه في سنة 2016، وكان قد نشر رسالة صوتية بعنوان “الكواشف الجلية على أن العذر بالجهل عقيدة الأشاعرة والجهمية”، وله الكثير من الفيديوهات والدروس في التأكيد على تكفير المعين وعدم العذر بالجهل.
وفى حال هزيمة تنظيم داعش الإرهابى فإن من سيخلف التنظيم بعد انهياره، سيكون أكثر غلوًا وعنفًا وتطرفًا وتنكيلًا بالناس، وهم “تيار الحازميين”.

القضية الرئيسية الواضحة في خطب وتسجيلات وموقع الحازمى على الإنترنت هي إلحاحه على “عدم العذر بالجهل”، وإيمانه بتكفير المعين والمخالف دون إعذار، وأيضًا تكفير من لم يكفره، ويهتم اهتماما خاصا بالتمييز في التوحيد وشرح كتبه.
ومن أبرز منظرى الحازميين أبو مصعب التونسى أيضًا الذي أعدم مع أبو جعفر الحطاب في مارس سنة 2016، وكان عضوا في “أنصار الشريعة” بتونس، ثم صار أحد قضاة “داعش” في منطقة الشرقية بسوريا، والذي صرح بتكفير أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، لعدم تكفيره عوام الشيعة، فإما أن تكفر معهم أو تكون كافرا مرة واحدة.

طارق أبو السعد، خبير الحركات الإسلامية، يقول إن كل حركة تكفيرية جديدة تتخذ خطوة أشد عنفا وتطرفا من الحركات التي سبقتها، وذلك لكى تتميز عنها وتجذب الشباب إليها،ويضيف أن الحركات المتطرفة، ومنها “تيار الحازميين” لن تنتهى إلا إذا كانت الأمة الإسلامية جادة في مواجهتها،ويشير إلى أن ظهور هذه الحركات يرجع إلى أن كل حركة تعتقد أنها تمتلك الحقيقة المطلقة والفهم الصحيح للإسلام وغيرها ليس على صواب.

ويقول: “يجب أن يعلم الشباب أنه لا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، أو يمتلك الفهم الصحيح للإسلام”، وطالب “أبو السعد” بتوعية النشء الجديد بتقبل الآراء المختلفة، وأنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأكد أهمية تطبيق دولة القانون بعدم السماح بظهور أي جماعات إسلامية، وإنما أن يكون هناك مجتمع إسلامى فقط، كما طالب الدولة بتجريم حمل السلاح، وأن تقوم بجانب المواجهة الأمنية للمتطرفين بمواجهة فكرية لهم، ودعا إلى إطلاق مشروع قومى فكرى يلتف حوله الشباب والناس جميعا، يعتمد على التسامح والحرية وتقبل الآخر،مع إعداد برنامج لوقاية النشء من التطرف من خلال حملات التوعية باحترام القانون، ويلفت إلى أهمية تجديد الخطاب الدينى ليكون أكثر تسامحا.

ويحذر “أبو السعد” من إهمال كتب التراث بدون تنقية، قائلا: “كتب التراث بها ترسانة من الأفكار المتطرفة التي تؤدى إلى ظهور مثل هذه الجماعات ومنها الخلافة الإسلامية وقواعد الدولة الإسلامية”، ويشير إلى أن كل هذه الأفكار تجاوزها الزمن وكانت تخص مرحلة معينة، كما يوضح خبير الجماعات الإسلامية: “ أنه منذ فترة ليست بالكبيرة كان المتطرفون ينظرون إلى من يؤمن بالديمقراطية باعتباره كافرا، ولكن المجتمع تجاوزهم وأصبحت كلمة الديمقراطية من المزايا الاجتماعية، وكذلك ينظرون حاليا إلى العلمانى باعتباره كافرا”، وشدد على أنه يجب على المجتمع أيضا أن يتجاوز هؤلاء المتطرفين كما تجاوزهم من قبل بشأن الديمقراطية، ويكشف “أبو السعد” أن بعض الأحاديث النبوية والآيات القرآنية كانت تخص وقائع معينة في وقت نزولها ومرتبطة بأحداث معينة، وبالتالى تطبيقها في الوقت الحاضر على وقائع مختلفة في الزمان والمكان ليس مناسبا.

ويضيف أن بعض الأفكار القديمة في التراث تجاوزها الزمن، رغم أنها كانت مناسبة في وقتها، ويقول أبو السعد: “متحف أدوات التشريح عظيم جدا، ويشعر أي طبيب عندما يرى الأدوات الجراحية به بالدهشة والإعجاب، ولكنه لا يستطيع أن يجرى بها عملية جراحية، لأنها أصبحت غير مناسبة للوقت الحالي”.

ويطالب “أبو السعد” الأزهر بتشكيل لجان لتنقية التراث من الأفكار غير المناسبة، وإظهار عيوبها للناس حتى لا يتهم البعض الأزهر بأنه يحارب الإسلام، مؤكدا أن الجماعات الإرهابية زرعت أفكارها في المجتمع بأن التراث من الإسلام. ويقول أبو السعد: “التراث يجب أن يحترم لكنه ليس مقدسا”، وطالب بتنقية مناهج الأزهر واقتصار التعليم الأزهرى على المرحلة الجامعية وفى الكليات المتخصصة في العلوم الإسلامية وفصل الكليات التي تدرس مناهج غير دينية مثل الطب والهندسة عنه.
الجريدة الرسمية