عرابي يقتص من «يوسف زيدان»
حكى عادل إمام أنه كلم يومًا أحد النقاد، وقد دأب الهجوم على أعماله بطريقة لاذعة، للاطمئنان على حالته الصحية، وعندما تعجب الأخير من سبب الاتصال، مؤكدًا أن صحته بخير ولا يعاني من أي مرض بادره الزعيم قائلًا (أصل بقالك فترة مش بتشتمني فقلت أطمن عليك).
لا يقتصر الإبداع على وقوف الممثل أمام كاميرا السينما، فهناك من يُبدعون أمام جميع الكاميرات التي تتشوق لرصد قدراتهم الفائقة على صناعة المانشيتات وغزو وسائل التواصل الاجتماعي التي تستقبل بدورها المعلومات المبتورة والآراء الحادة طالما تم عرضها بطريقة قابلة للاستهلاك.
ورغم أن التصريحات المثيرة للدكتور يوسف زيدان تبتعد عن القراءة المنصفة للتاريخ لعرضها رواية وحيدة سطحية إلا أنه يعلم أن قطاعًا من الجمهور لم يعد يهتم بالتدقيق في الأمور، مكتفيًا بالاستماع لبراعة التصريحات التي اختزلت تاريخ الأيوبيين في أن "صلاح الدين الأيوبي واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني" واختزلت الثورة العرابية بأن "أحمد عرابي ضيع البلد ودخلنا في استعمار 70 سنة" في نسيان واضح لما يعرفه أي باحث في التاريخ عن غزو بريطانيا للكثير من دول العالم ومطامعها في مصر التي بدأت قبل سنوات طويلة من الاحتلال، وقبل سنوات أطول من ميلاد العديد من الظواهر الصوتية التي ينشغل بها الناس لفترة قبل أن تنطفئ وتتوقف عن حرق تاريخنا وبيع رَماده.
تعمدت الكتابة عن تصريحات الدكتور الشهير بعد انتهاء الضجة حولها حتى لا يتهمني أحدهم بمحاولة الاستفادة منها لكن يبدو أن ماسورة التصريحات سوف تنفجر في وجوهنا كلما شعر الرجل بأن الإعلام قد ابتعد عنه قليلًا، لذا انتظروا وسيأتي إلينا بما لم تسمعه الأذن أو تراه العين، فهو المهدي الذي انتظرته البرامج الفضائية طويلًا ليزيد من أعداد مشاهديها، ويُشعل مانشيتات الجرائد بمعاركه الوهمية لذا علينا المبادرة بالاطمئنان على صحته إذا امتنع يومًا عن محاربة طواحين الهواء أو توقف عن الإساءة لكل لحظة تُشعرنا بالمجد في تاريخنا.
ولأنه قرر أن ينتظم في الظهور التليفزيوني لتقديم حلقة أسبوعية بعنوان (رحيق الكتب) مبررًا قراره بأن هذا (الأفضل للناس وليس له) وفقًا لتعبيره- زاد الله تواضعه- فأنا اقترح أن يُغير اسم الحلقة ليجعلها (حريق الكتب) لأن هذا الأوقع للناس وله، على أن يستبدل طريقة الأداء المسرحي في عرض الموضوعات بعزف الموسيقى مع نيرون.
يمكننا قراءة رد أحمد عرابي على الإساءة التي وُجهت إليه، إذا انتقلنا للحظات من يوسف زيدان إلى جرجي زيدان، الذي أفاد المجتمع والثقافة عندما أسس مجلة الهلال، فقد استقبل رسالة من الزعيم أحمد عرابي في مايو 1898 شرح خلالها الأخير ما يعانيه في المنفى قبل أن يقول إنه ليس آسفًا لما حدث لاعتقاده بأنه قام بما فرضه الله عليه من الواجبات الشرعية والحقوق الوطنية بكل نصح وأمانة، جهد الاستطاعة، وأضاف "عرابي" في رده على منتقديه (لا عبرة في ما يتقوله بعض أهل الصحافة والناسجون على منوالهم فإنهم يقولون بألسنتهم ويكتبون ببراعتهم ما يخالف اعتقادهم بقلوبهم).
الشخصيات التاريخية لها وعليها.. أصابت وأخطأت.. وعلينا إثارة النقاش حول مختلف القضايا وتحليل التجارب وانتقادها بأسلوب يدفعنا نحو البحث عن الحقيقة وتكوين الوعي، وليس البحث عن الشهرة وهدم التاريخ لعلنا نستطيع الاستفادة والتعلم من تجاربنا وأخطائنا، واستحضار نماذج البطولة لتُرشدنا وتزيد من ثقتنا في أنفسنا وقدرتنا على الإنجاز والبناء في أصعب الظروف ورغم امتلاء الأجواء بالظواهر الصوتية.