بالصور.. «رحلة كفاح وصمود» حكاية أقدم بائعة فاكهة في الكيت كات
خطوات قليلة من ميدان الكيت كات بالجيزة، وعلى ناصية أحد الشوارع، تقطن سيدة دأبت طوال ٥٠ سنة على المكوث بإحدى زوايا الميدان، لتكون معروفة للجميع فلا يجهلها كبير ولا صغير، بل حتى مسئولو الحي يعرفونها.
«فريدة عبدالصمد»، أو كما تُحب أن يلقبها جيرانها ومعارفها، باسم ابنها "أم أشرف"، بائعة الفاكهة والخضراوات منذ نحو ٥٠ عاما، متواجدة بميدان الكيت كات طيلة تلك السنوات حتى باتت إحدي أعلامه.
سيدة لم تعش طفولتها، ولم يكن لديها أحلام، بل حتى حق الحلم فقدته لأن واقعها لم يكن ليقبل بذلك، فمنذ نعومة أظافرها، كانت عائلة لأسرتها، لم يكن والدها يميز بين صبي وفتاة في تحميل أبنائه مسئوليات العمل، ثابرت وعملت بمهنة والدها، التي ورثتها وورثتها لأولادها.
رزقها الله بـ٧ أبناء، كانت الحياة تهون يوما وتصعب أياما، حتى اشتد البلاء بفقدانها ابنتها الصغرى بعد زواجها بـ٧ أشهر ولم يكتمل العام حتى فقدت ابنها الذي دمعت عيناها عند ذكرها له قائلة: «الغالي هو اللي راح، كان حنينا ويساعدني وعمره مازعلني وشال عني كتير».
وتركها زوجها، وامتنع عن التكفل بمصاريف أبنائه قبل وفاته لترتسم الحسرة بأعينها، وتصر على الصمود مجددا، وتتكفل بأبنائها، وتعاون أشقائها على نوائب الحياة والظروف الصعبة.
ولأنها لم تدع يوما اليأس يدخل قلبها، فهي المؤمنة بالقضاء والقدر، دائما، فلم يستطع أحد حتى المسئولين التجاوز بحقها، ولم يجرؤ أحد على التطاول عليها، وكانت البلدية تزعجها سابقا، لكن الآن بات الجميع يعلم أن السيدة فريدة أقدم من شوارع الميدان نفسها فلا يمسها أحد بسوء.
مواجهة الصعاب المتتالية جعلتها تنظر كثيرا إلى السماء وتشتكي لبارئها، ليجيب دعاءها ويعينها على مصاب دنياها، قائلة: «بالرغم من أن جوزي سابني ورماني أنا والعيال دول اللي بقوا يتامى وراح اتجوز عيّلة من دور عياله، بس أول ما مات أخدت ولادي ورحنا دفناه واتكفلت بكل حاجة في العزاء، ظلمني كتير بس هو كان أبو عيالي وربنا هو اللي بيحاسب».
وتعاني "أم أشرف" نظرا لارتفاع أسعار الفاكهة وضعف الإقبال على الشراء، وعن البنين تقول: «عيالي مبيسألوش عني إلا لو محتاجين حاجة وبساعدهم باللي بقدر عليه، بس مفيش حد شايل هم التاني».
لم تكن والدته لكنها تكفلت به، شاب أبكم يُدعى "شريف" اعتبرته سندها في الحياة، يعينها في عملها ويعتني بها، وتوفر هي له مأوى ومأكل، مؤمنة بمقولة: «رب أخ لم تلده أمك، ورب ابن لم يحمله رحمك».
لا تكل ولا تمل من الحديث عن الخير وحب الغير والكرم، والعمل والسعي للرزق، فضربت السيدة ذات السبعين ربيعا مثالا يستوجب تكريمها وتدريس سعيها ورحلة بحثها عن لقمة العيش الحلال.