معتقلو "الدين السياسى" وتحقير القضاء المصرى
فجأة ودون مقدمات بات القضاء المصرى المنتصر دوما للحريات والحقوق، عرضة للتحقير من قبل من أنصفتهم أحكامه، خاصة تيارات الدين السياسى ومن عانى الاعتقال الإدارى بقرارات السلطة التنفيذية من أربابها ومحبيها، وتحولت سمعة القضاة على ألسنتهم فى كل مكان إلى "ملطشة" لكل من هب ودب على أرض الحرية بعد الخلاص من حكم عائلة مبارك ووزيره العادلى.
ولأن أتباع هذه التنظيمات الذين عانوا الحرمان من ذويهم وفقدوا أرزاقهم ليتحولوا إلى عالة على زوجاتهم خلال فترات اعتقالهم، صعدوا إلى سلطة مبنية على تصورات بانتقام سماوى من مجتمع بكل أركانه، رأوا فى الثورة صناعة ربانية لخامات الصبر والجلد على ظلم مبارك داخل معتقلاته، وتعاملوا مع مناصريهم والمدافعين عن حقوقهم كأدوات صارت بالية بعد تحررهم، إذا ما تجاوزنا عن أفكار عنف وإرهاب التصقت بكثيرين منهم، ومراجعات مشبوهة "متفق عليها" مع أجهزة أمن مبارك.
وتجربة تيارات الدين والعنف التى مارست قياداتها وصبيانها إرهابا فكريا وإجراما بنص القانون وأحكام القضاء، باتت رؤيتها للمشهد أقرب إلى التطبيق الحى فى التعامل باستعلاء واستكبار وقمع ممنهج، مع الحالة المصرية بعد 11 فبراير 2011 والتى رجحت كفة شقيقتها المنظمة لتصل إلى الحكم، وتهدد بحرق البلاد إذا ما ابتعدت عنه ولو عبر انتخابات رئاسية، مطعون على نتائجها فى قضية تأخر حسمها، وبرلمان حسم القضاء مصيره بحكم عاب نظام انتخابه.
وكجزء من ادعاءاتها بفساد القضاء أنكرت تلك الجماعات على رجاله الشرفاء إصدارهم مئات الآلاف من أحكام إخلاء سبيل معتقليها دون قيام مبارك ووزير داخليته بتنفيذها، فيما عرف بـ"الإفراج الدفترى" وهو إعادة السجين لمحبسه بقسم شرطة أو مقر أمن الدولة لأيام، قبل ترحيله مجددا للسجن بقرار اعتقال إدارى جديد موقع من الوزير والضابط المسئول عن مراقبة التنظيم، وهى الأحكام التى كانت تستند إليها لجان الحريات والمؤسسات الحقوقية المصرية والدولية فى إدانة نظام مبارك عالميا، بينما تنكر على القضاة حقهم فى تدويل قضيتهم.
ولأن القطعان تسير خلف ربيبها، كانت حجج جماعة الحكم "مثالية" فى تشويه سمعة قضاة مصر الذين أنصفوا فلاحيها وعمالها، ولم لا وقد ضمت إلى رؤيتها ومنهجها من دعمهم الشعب المصرى وناصر قضيتهم فى أحداث 18 يونيو 2006 يوم سحل نشطاء "كفاية" وغيرهم على خلفية محاكمات آل مكى، ومعهم البسطويسى "المهذب".
فعادة هؤلاء "الشوشرة" وفقط على نظام جاوروا حكمه ولم يهلكوا جهدا فى مناهضته، وكانوا أكثر احتراما معه فى مظاهرات رفعت شعارات إسقاطه ورفضت توريث نجله وأبطلت حكمه وعكرت صفو ديمقراطيته الزائفة المتباهية بانتخابات مشبوهة أعقبت تعديلات دستورية باركها "المرشد" بإعلانه حق جمال مبارك فى حكم مصر عبر انتخابات تبنى على أساس دستور أعرج.
زواج الجماعة "المشبوه" بحكم مبارك المنتقم من ثورة المصريين باستدعائهم، كان مثاليا لدرجة أن أربابها لم يطلهم اعتقال نصف عهده، ولم يتأثر وضعهم الاقتصادى الصاعد خلال سنوات محاكمات كبارهم أمام القضاء الاستثنائى، والذى أبقوا عليه تماما لتأمين بقائهم وتحقيق أقصى درجات القمع "المقنن" قضائيا لضحاياهم ومعارضيهم، لقناعتهم بقدرة القضاء الطبيعى النزيه على مناهضة أساليبهم المباركية المستنسخة بمباركة السماء.
تيارات الدين السياسى وجماعات العنف وقياداتها وأربابها لن تترك معركتها مع القضاء المصرى بسهولة، وستسعى إلى تعديلات دستورية جديدة تقمع بها القضاء الإدارى والمدنى فى حماية حقوق المواطنين المغتصبة من أجهزة حكمهم، وتنطلق من مرحلة "تحقير" القضاء فى إجراءاتها وحملاتها المغطاة بمليونيات القطعان، إلى مرحلة "الإذلال" و"القتل الممنهج" وإرهاب الدولة المنظم، بحق قضاة مصر ورجال إعلامها وساستها.. فقط كانت التجربة الأولى لها فى شباب ثورتنا.. والبقية تأتى.