الموت بالرشوة
بالتوازى مع فجيعة الواحات لقي ٢٤ مصريا مصرعهم، وأصيب ٢٥ آخرون في عدة حوادث طرق في نفس اليوم الذي واجهنا فيه عصابات الشر في الواحات، واستشهد عدد كبير من أبنائنا في الواحات ولم نعرف بعد من هو القاتل، أما ضحايانا على الأسفلت فإن قاتلهم معروف، وما نفقده سنويا من شهداء على الأسفلت قد يفوق ما فقدناه في حروبنا مع إسرائيل طوال تاريخنا.
وضحايا الأسفلت يذهبون بلا دية، وبلا ذنب اقترفوه، سوى أنهم يعيشون حياتهم، ويتنقلون كما يتنقل الناس في كل أنحاء العالم، غير أن السفر في بلادنا مخاطرة كبيرة، وإيذان بالموت هدرا وغدرا، المسافر في بلادنا يودع أهله حتى لو كان سفره عشرة كيلومترات، لأنه اختار ركوب المخاطر، واختيار الصعب، والقتلة معروفون بداية من لافتة غير موجودة، ونهاية بسائق ميكروباص اعتاد على وجبة مخدرات يوميا، تساعده في الوصول إلى الآخرة في أسرع وقت.
الطرق مترهلة، وإدارات المرور غائبة، وسائقو النقل الثقيل يعيثون في الأرض فسادا، وسائقو الأجرة بلا رقيب ولا حسيب، والحفر السرية والمطبات المجهولة كلها من أدوات الدولة في مواجهة الزيادة السكانية، حيث يصل عدد ضحايانا بين قتيل وجريح إلى أكثر من ٢٥ ألفا و٥٠٠ شخص، وخسائرنا السنوية لا تقل عن ٣٠ مليار جنيه، وهو المعدل الأول على مستوى العالم، لدرجة أن خبراء السياحة يعانون عند الدعاية للترويج السياحى في مصر بسبب هذا الرقم المفزع.
كل محاولات الخبراء في مصر لإصلاح منظومة الطرق والمرور ومواجهة الموت راحت سدى، أعرف واحدا من أهم خبراء الطرق في الشرق الأوسط، تقدم للمهندس إبراهيم محلب بمشروع متكامل يواجه عبث الموت والفوضى، ويوقف نزيف الخسائر ويحولها إلى أرباح تعود على البلاد، إلا أن مشروعه رغم انفعال محلب به قد واجه الفشل، ولم يتحرك من درج مكتبه، وظل حبيس الأدراج إلى وقت قريب.
فجأة طلبوا من الخبير المصرى أن يقدم مشروعه مرة ثانية، قدمه، ناقشوه، انفعلوا به ثم وضعوه في ذات الدرج، درج الثلاجة التي يحتفظون فيها بكل ما هو قادر على النهوض بالبلاد، مرة ثالثة طلبوا من الرجل المشروع، تململ وضجر غير أنه وبوازع وطنى عاد فقدمه إليهم، ناقشوه، انفعلوا به، ثم اختلفوا على تبعية معلومات النظام الجديد، ومن له حق الاحتفاظ بها،عادوا مرة أخرى ووضعوه في نفس المكان.
يبدو أن سبوبة الموت على الطرق أكبر من إرادة الإصلاح، إذ إن كل الدراسات تحدثت عن أرقام الموت والخسائر، ولم تقترب من حديث الرشاوى، المشروع الجديد الذي عرض أكثر من مرة على مجلس الوزراء سيقضى تماما على الرشوة وهنا مربط الفرس، لو أن الخبير المصرى ترك هذه المساحة ولم يتحدث عنها في مشروعه، ربما حاز على موافقة تنفيذ مشروعه، القصة باختصار أن حجم الرشاوى على الطرق يبلغ رقما مخيفا، يجعل من تنفيذ المشروع «إغلاق بيوت الغلابة المرتشين» ويحول دون تنفيذه، وهو السبب الوحيد لوضع مشروع الخبير المصرى في الأدراج!!