رئيس التحرير
عصام كامل

تبًا لنا جميعا


بعد حادث الواحات الأخير ليس لنا إلا أن نقصف أقلامنا، وإذا استمرت حركة الحياة وكتب من يشاء أن يكتب، وانتقد من يريد أن ينتقد، وامتدح من يريد أن يمتدح، ونافق من يريد أن ينافق، ساعتئذ ليس لي إلا أن أقصف قلمي، وأعتزل في بيتي، إذ كيف يتحمل قلبي المثخن بالآلام أن يحتمل ألما هو الأشد، وحزنا هو الأعتى، فقد رأينا خيرة شباب مصر، زهرة شبابها وفتوتها وحيويتها، نورها وبسمتها، وهم يتلقون رصاص الإرهاب وقنابله فيلقون حتفهم، ويصعدون إلى ربهم شهداء، ونحن في أرضنا نكتب ونحلل ونلقي باللوم على هذا أو ذاك، نقرأ لبعض الأقباط اتهاماتهم للدولة بالطائفية، إذا قتل الإرهاب مسيحيا أو قسا أو راهبا! ونقرأ للأزهر ورجاله دفاعهم المستميت عن أنفسهم بأنهم يقومون بدورهم في مواجهة المنظومة الفكرية للإرهاب، وكل شيء يسير كما ينبغي!


ونقرأ للمجلس الوطني للإعلام، وللهيئة العامة للاستعلامات، وللبرلمان، وللأحزاب والوزارات والمؤسسات والهيئات والمجالس، كلهم يقولون: إن كل شيء تمام، ونحن نعلم أن مصر تواجه منتخب العالم للإرهاب، ولكننا تركنا الشرطة والجيش يواجهان المعركة وحدهما، وأقول وحدهما، ولم نفعل نحن شيئا إلا الكلام، كلام في كلام في كلام في كلام، وكل الكلام لغو، وسفسطة، فإذا وقعت عملية إرهابية تفتح الفضائيات أبوابها للمكلمة، ولكن هل تلك الفضائيات وضعت منهجية علمية تواجه من خلالها أفكار الإرهاب؟ لا والله، ولكن كله كما يقولون في الريف المصري "كلام ابن عم حديت" ثم نعود ثانية للتفاهات.

وبعد أي عملية إرهابية تفتح الصحف والمواقع أبوابها للخبراء، كلهم يدلون بحوارات، وكلهم يكتبون مقالات يحللون فيها ويضعون النظريات التي تُظهرهم بصورة المفكرين الخبراء الأفذاذ، وفي الحقيقة الموضوع كله كلام سمج في كلام سخيف فيكون الناتج كلاما تافها لا قيمة له، وفي المقابل تسيل الدماء المصرية النقية، وتفقد الأسر عوائلها وشبابها، ويغيب الآباء للأبد عن الأبناء الصغار، أما أنا فسأقول لنا جميعا، وسأقول لنفسي قبلكم، تبا لي ولكم، أنا لا أريد كلامي ولا كلامكم، أنا لا أحب حديثي ولا حديثكم، تبا لنا جميعا.
الجريدة الرسمية