الإعلام.. المتهم البريء
موجة جديدة من الاستياء وعدم الرضا طالت الإعلام في الأيام القليلة الماضية بسبب التعاطي غير المسئول مع حادث الواحات الإرهابي، موجة سبقتها موجات وسوف تعقبها موجات أخرى، وسيظل الإعلام هكذا.. يمله المواطن ويتهمه المسئول ويتبادل العاملون فيه الشتائم.. يمنعون ويمنحون صكوك الوطنية لبعضهم البعض، تلك نتيجة طبيعية لعشوائية غير مسبوقة جعلتنا ونحن الرواد.. فرجة للداخل الذي فقد الثقة في أغلب المذيعين ومادة ثرية للخارج حيث إعلام المتربصين.
عشوائية جعلت من مذيعين خطباء ومنظرين ومحللين سياسيين واقتصاديين وعسكريين حتى أنهم أصبحوا لا يأبهون بوجود متخصصين، يستوي في ذلك أصحاب المهنة الأصليين ومن التحق بركب الكاميرا من الصحفيين والممثلين والرياضيين والنشطاء الذين أفرزهم ميدان التحرير.
سيظل الإعلام وهو المعني بتقديم المعلومة وإثراء الفكر وتشكيل الوجدان.. ساحة لتصفية الحسابات و(بالتة) يتكالب على مربعات ألوانها المشتاقون الذين يتلونون وفقًا للمائدة التي يأكلون عليها، هؤلاء الذين ينتقلون من نظام إلى آخر غير عابئين بماض حتى لو كان قريبًا. سيظل الإعلام حفنة الماء التي يعتقد راغبو غسيل السمعة أنها نظفتهم من قذارة النفاق وتملق السابقين من الأموات ولن يخجلهم لو كانوا أحياء. سيظل الإعلام مصيدة للشقراوات الباحثات عن الشهرة والمال.. حتى لو كانت مؤهلاتهن أكتاف وأنصاف صدور عارية وإجادة للغة الجسد وحرفة التشويق المبتذل.
سيظل الإعلام الذي به تنهض الأمم فارغًا من محتواه فاقدًا لتأثيره إذا ظل متروكًا للاجتهادات الشخصية في تقديم المعلومة وإذا استمر استسهال البعض في تحويل شبكات التواصل الاجتماعي إلى مصدر رئيسي لبرامجهم، وسوف ينفر منه المواطن أكثر إذا استمر من يطلون منه في تنصيب أنفسهم أوصياء على الشعب، يتحدثون باسمه تارة وينهروه تارة أخرى ويطالبونه بما ليس فيهم.
ستظل مصداقية الإعلام في حالة نزيف مستمر إذا لم نحسن اختيار الإعلاميين الذين يرافقون الرئيس في جولاته ويجلسون خلفه في مؤتمراته، فبعضهم فقد تأثيره على الجمهور ووجوده خلف الرئيس تحدي لن يقبله المواطن، خاصة إذا كان هذا الإعلامي من الذين تتغير مواقفهم وتتبدل مبادئهم، فكيف للمواطن أن يصدقه وقد جربه يسبح بحمد أنظمة سابقة ثم عاد ليهاجمها، ولماذا نراهن على ضعف ذاكرة المواطن؟!
سيظل إعلامنا متهمًا وهو البرئ.. لأن بعض العاملين فيه أفقدوه مصداقيته حتى لدى المسئول الذي لم يعد حريصًا على إمداده بالمعلومات، وكيف يحترمنا المسئول ونحن لا يحترم بعضنا البعض. وسنظل هكذا إذا ظلت سياسة الثواب والعقاب غائبة، تلك السياسة التي تفرقت دماؤها بين جهات خمس هي نقابة الصحفيين والهيئة الوطنية للصحافة ونظيرتها للإعلام ونقابة الإعلاميين.
سيظل إعلامنا متهمًا لأن الشللية سيطرت عليه، والفهلوة لا الإبداع أصبحت أهم مسوغات أصحاب الحظوة فيه، وصناعته إنتقلت إلى مصانع الحديد والأسمنت والسيراميك.. فاختلطت ملكيته بإدارته، وتاهت رسالته.
إعلامنا في حاجة إلى مصادر معلوماتية تعيد إليه الثقة المفقودة، وإلى وجوه جديدة تدعم شاشاته بإطلالة مهنية، وإلى الحفاظ على من تبقى من وجوه لم تتلوث، وإلى الاستغناء فورًا عن وجوه منهكة بالية بحكم التلون وبفعل النفاق الممجوج، إعلامنا في حاجة إلى رأس واحدة مبدعة تديرة وتلملم شتاته، إعلامنا الذي نتمناه وتمناه الرئيس السيسي.. يحتاج إلى وزارة إفتقدناها وأصبحنا في أمس الحاجة إليها.
basher_hassan@hotmail.com