رئيس التحرير
عصام كامل

الثمن الباهظ الذي سوف ندفعه!


وضعت معركة انتخابات اليونسكو أوزارها بفوز مرشحة فرنسا أودري أزولاي برئاسة المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم.. وخروج العرب صفر اليدين بعد أن دست قطر أنفها في السباق نحو رئاسة اليونسكو، وتوظيفها للمال لشراء الأصوات، في محاولة بائسة لشراء المناصب الثقافية بأي ثمن وهو ما وثقته إحدى المنظمات الدولية في غياب واضح لمعايير النزاهة والشفافية والقيم.


ولم يكن غريبًا انسحاب أمريكا وربيبتها إسرائيل من اليونسكو أثناء المعركة الانتخابية في محاولة مكشوفة لإضعاف تلك المنظمة الدولية وكسب الأصوات لصالح "أزولاي" اليهودية من أصل مغربي، الفرنسية الجنسية في موقف ممجوج لا يعكس فقط مخاوف واشنطن من تزايد الديون على اليونسكو ولا حاجتها الشديدة إلى إصلاحات جذرية كما قال بيان خارجيتها، بقدر ما يعكس بصورة أوضح تخوفات أمريكا وإسرائيل من استمرار اليونسكو في مناصرة الحقوق العربية وخاصة الحق الفلسطيني، فسجل المنظمة حافل بالشرف في السنوات الأخيرة منذ قررت قبول فلسطين عضوا كاملًا فيها عام 2011، فضلًا على إدراج مدينة الخليل بالضفة الغربية على لائحة التراث العالمي مع ما يترتب على ذلك من آثار إيجابية لصالح قضية فلسطين، واعتبار إسرائيل محتلة للقدس، واعتبار المسجد الأقصى تراثُا إسلاميًا خالصًا؛ الأمر الذي قضى على مزاعم اليهود ومحاولاتهم المستميتة لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.

ولم يكن الانسحاب هو الموقف المخزي الوحيد لأمريكا تجاه اليونسكو، حيث إنه سبق لواشنطن أن ألغت مساهمتها المالية الكبيرة في المنظمة الدولية احتجاجًا على قرار منح فلسطين العضوية الكاملة فيها.. الأمر الذي يعني أننا إزاء محاولات أمريكية إسرائيلية لتقويض اليونسكو ووقف مساندتها للقضايا العربية في المحافل الدولية، ناهيك عما حدث من خيانة بعض الدول العربية والأفريقية لمصر في الانتخابات الأخيرة على مقعد رئاسة اليونسكو، حيث تنصلت تلك الدولة من اتفاقها مع القاهرة؛ الأمر الذي أدى إلى تفتيت الأصوات بعد حصول مرشح قطر على 28 صوتًا، ما يعني أن ثمة 28 دولة لا ترى غضاضة فيما يفعله نظام الدوحة من دعم وتمويل ونشر للإرهاب، وجاءت الانتخابات بمثابة تمثيلية لعبت أمريكا وإسرائيل ودول عظمى أخرى دورًا بارزًا فيها لذهاب المقعد للمرشحة الفرنسية، وجاء انسحاب الدولتين كمناورة خبيثة لإبعاد الأنظار عن أي مرشح عربي حتى يظل الطريق مفتوحًا أمام سيطرة الغرب على تلك المنظمة الدولية.

بقي أن نعلم أن "أودري أزولاي" المدير العام الجديد لليونسكو هي ابنة الفرنسي "أندريه أزولاي" ذي الجذور المغربية، يهودي الديانة، خبير البنوك والأعمال مستشار ملك المغرب ومستشار الحكومة الإسرائيلية.. أما الابنة "أودري" فقد تولت وزارة الثقافة في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، ثم عملت بعدها مستشارة ثقافية للرئيس الحالي "ماكرون" الذي صحبها في كل جولاته الخارجية لدعمها في انتخابات اليونسكو.. ولا يخفي أن "أودري" تدخلت عدة مرات لدى القنوات الفرنسية لإذاعة أفلام وثائقية تدعم وجهة نظر الصهيونية تجاه القدس وقد ظهر تأثيرها المباشر في تصريحات رئيسها "ماكرون" الذي قال إن معاداة الصهيونية هي في الأصل معاداة للسامية واليهودية، وهو ما يتوافق بشدة مع موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف.. أرأيتم إلى أين وصل الخلط والتشويه المتعمد للحقائق.. والسؤال: إذا كان ذلك هو الموقف المبدئي لأزولاي فكيف سيكون قرارها بعد رئاستها لليونسكو؟!

الحقائق تؤكد أننا ذاهبون إلى طريق وعر غير مبشر للعرب الذين لم يكونوا في حاجة لرئاسة اليونسكو بمثل ما هم اليوم.. ولولا الفرقة والتشرذم وتسييس المواقف والخيانة لكسبنا هذه المعركة بشرف واقتدار.. وهو ما سوف يدفع الجميع ثمنه باهظًا.. الدروس المستفادة من معركة اليونسكو كثيرة ينبغي للعرب أن يعيدوا النظر فيها.. وإلا فالقادم أسوأ بكثير مما تظنون.
الجريدة الرسمية