رئيس التحرير
عصام كامل

يوميات مواطنة مصرية "من فوق الكنبة"


من كان يصدق أن تكون للكنبة كل هذه الأهمية فى حياتنا؟ لوكانت أرجلها الخشبية تتحدث لاختالت على كل قطع الأثاث فى المنزل لأنها بطلة العرض المسرحى الذى يحمل اسم "مصر بعد الثورة" فقد مر عامان ونصف العام تقريبا منذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011 وما زالت تلك الكنبة تتصدر المشهد بكل الاهتمام، وأنا من الحزب الذى يجلس عليها، صحيح أننى أغادرها أحيانا وأحاول التخلص من الخيوط الحريرية التى تربطنى بها ولكن هذه الخيوط تعود فتجذبنى من جديد.


أمسك بيدى "الريموت كنترول" هذا الجهاز الصغير الذى دخل حياتنا فأفسد ما كان مستقرا فيها، علمنا أن نتجول بين كل الأماكن ونستمع إلى كل الآراء، أفقدنا هدوءنا ولحظات التأمل الليلية التى كنا نقضيها فى القراءة أوسماع الموسيقى أو حتى الحديث الودى بين أفراد الأسرة الواحدة.

من خلال ذلك الجهاز كنت أتابع كل صغيرة وكبيرة مما يدور حولى ووجدت عقلى يكاد أن ينفجر فأذنى اليمنى تستمع إلى كل من يطلقون على أنفسهم أصحاب اليمين وأذنى اليسرى تستمع إلى هؤلاء المتهمين بأنهم يسيرون عكس الاتجاه وتتقاذفنى الاتجاهات المتعارضة، عامان وأكثر من الانقسام والتشتت واختلاف الآراء والمناقشات الحامية التى لا نخرج منها بأى شىء وما زلت أمسك بجهازى الملعون وأستقر على شاشات تليفزيون الدولة فأجدنى أسترخى تمام الاسترخاء فأنا أمام ما يشبه جدول الماء العذب الذى لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أحلم بأن كل الأمور جميلة وتسير نحو الأفضل.

أقوم من فوق الكنبة وأنظر من نافذة غرفتى لأجد عكس كل ما يقال فأعود وأنتقل إلى قنوات أخرى، أخرج فورا من دائرة الاسترخاء وأجلس منتبهة بكل حواسى فيتحطم الحلم ليحل محله اليأس والإحباط والتشاؤم، الكل ثائر، الكل يصرخ بأعلى النبرات وعلى مائدة الحوار تتحطم المبادئ والقيم النبيلة التى دعت إليها الثورة وبين اختلاط الأصوات تضيع المعانى ويصل الأمر أحيانا إلى حد التطاول بالألفاظ والأيدى بل والأحذية أيضا وأتطلع إلى صوت عاقل وسط عنبر المجانين الذى أصبحنا نعيش فيه فلا أجده.

أخفض الصوت لأتساءل من من هؤلاء جميعا يحب مصر؟ من منهم يبحث عن الحلول الجذرية والحقيقية لكل هذه المشاكل التى وضعنا أنفسنا فيها بتصارعناعلى السلطة، من يريد انتشال السواد الأعظم من هذا الشعب المقهور من داخل الهوة التى وقع فيها؟

كل البرامج المطروحة على الساحة فى القنوات الليبرالية والتى أصبح رموزها ضيوفا دائمين فى منازلنا شئنا أم أبينا نستمع من خلالها إلى فصيلين يمثل كل منهما طرفين الأول يكون هادئا ويبدو متوازنا والثانى ثائرا ومتوترا ولا نعرف من مع من؟ أو من ضد من؟ ولماذا يحدث ما يحدث فنحن نقتنع برأى أحدهما وبعد دقائق نقتنع بالرأى الأخر ويبدو أن هذه هى سمة كل برامج التوك شو "الحالية".


على الجانب الآخر نصل إلى قنوات اليمين وهى الفاصل الكوميدى فى حياتنا وهذه القنوات من النادر ما نستمع من خلالها إلى موضوع متوازن أو مناقشة لقضية من القضايا المهمة وما أكثرها فى هذه الأيام التى لا يعلم مداها إلا الله فمعظم الأحاديث إما سب وقذف لكل المعارضين حتى من هم على حق أو من يملكون منطقا يستحق الرد عليه بنفس الأسلوب أو فتاوى دينية ما أنزل الله بها من سلطان لهذا كنا وما زلنا نطالب بقناة خاصة للأزهر الشريف وهو الجهة الشرعية الوحيدة فى مصر التى من واجبها الإفتاء ومن واجبنا الأخذ عنها.

من كل ما سبق نستنتج عدة أشياء:

أولا: لا يوجد خطة إعلامية واضحة لها هدف محدد يقدم حلولا لكل ما يحيط بنا.

ثانيا: معظم الفصائل السياسية تتحدث عما يخصها ويخدم مصالحها بغض النظر عن مصلحة مصر أو شعبها.

ثالثا: نستهلك جميعا أوقاتنا فى البحث عن "مين السبب"؟ و"مين اللى بيضرب"؟ ومن هم الملثمون الذين يضربون ويحرقون؟ ومن أين تأتى طلقات الخرطوش والطلقات الحية؟ والمحصلة النهائية أن مصر تحترق وشعبها يتم ترويعه نهارا فى الطرقات ولا حياة لمن تنادى.

رابعا: أصحاب العقول الرزينة والآراء البناءة تضيع أصواتهم بين تضارب الأصوات العالية التى أصبحت فرض عين على كل بيت مصرى.

خامسا: ليست هذه ملحوظة لكن نصيحة اتبعتها بنفسى أمسكوا "بالريموت كنترول" وابحثوا عن فيلم عربى قديم لإسماعيل ياسين أو القصرى أو أى نجم من نجوم الفن الجميل... وخذوا معه فترة نقاهة لالتقاط الأنفاس فبعد فترة ليست بعيدة سنحتاج جميعا إلى مغادرة الكنبة والبحث عن حل لمآسينا جميعا دون شك.

الجريدة الرسمية