رئيس التحرير
عصام كامل

سؤال حيّر المصريين في الداخل والخارج.. ليه بنكره بعض؟.. «ملف خاص»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أعد الملف: أحمد فوزي سالم - محمد صابر - صفاء كامل - محمود محمدي - إسلام معوض - نادر سلامة - مصطفى جمال - مصطفى إبراهيم - محمد سمير - محمود قورة - عبد الرحمن محمود


ما الذي حدث للمصريين؟ بالداخل أو بالخارج علاقاتهم على أسوأ ما يكون.. يكرهون بعضهم ويتلاحقون في الأرزاق.. يمارسون نفس سياسة مماليك القرون الوسطى في خوزقة كل صاحب فكر أو اتجاه مخالف حتى أصبحوا منبوذين بين كافة الجاليات العربية الذين تتوحد قلوبهم على بعضهم في السراء والضراء.

كل من يعرف مصر يؤكد أن أبناءها لم يعودوا كما كانوا.. حافظ إبراهيم كتب قبل عدة عقود يتغزل في ود المصريين وتراحمهم وجدعنتهم وقال: «المصري للمصري كطرفي المقص، ما إن يلتقيا حتى يفترقا»، ويبدو أن شاعر النيل لم يكن يتخيل لحظة أنه سيأتي يوما يعيش فيه الأحفاد في عراك دائم، لا هم لمصري إلا أن  يحفر لأخيه حفرة، المهم أن يبقى هو، وليس مهمًا أن يلحق الأذى بالآخرين ظلمًا وعدوانًا.

هذا يكره ذاك، والثاني يحقد على الثالث، والرابع يتآمر على الخامس، وهو ما يجعل «فيتو» تطرح السؤال: منّ الذي تسبب في تشوه الشخصية المصرية طوال العقود الماضية حتى أصبحنا في أدنى درجات الثقافة والفكر والأدب والسلوك ؟

اختزال التعليم في تحصيل الدرجات «جريمة»

أي ظاهرة في المجتمع سواء أكانت إيجابية أو سلبية، فإن التعليم يسهم بشكل مباشر في ظهورها، ورغم ذلك لا يمكن أن يتم تحميل المؤسسات التعليمية المسئولية وحدها بمعزل عن باقى فئات المجتمع، هكذا يقول الدكتور محمد فتح الله الخبير التربوى، ويشدد على أن انحصار مفهوم التعليم في تحصيل الدرجات فقط مع إهدار القيم التربوية الأخرى، أدى إلى انتشار تلك الظواهر، لافتا إلى أن أولياء الأمور ساعدوا في اختزال مفهوم التعليم عند تحصيل الدرجات فقط والخروج عن الهدف الأساسى من العملية التعليمية.

يرى «فتح الله» ضرورة قصوى في إعادة النظر تجاه فلسفة التعليم نفسها، لدى أولياء الأمور والطلاب، ولا يعفى أساتذة التربية والخبراء من المسئولية في إعادة صياغة المفاهيم المتعلقة بالترابط المجتمعي.

على المستوى النفسي، يرى الدكتور أحمد هلال الخبير النفسي، أن هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى انتشار الكراهية بين المصريين منها ظروف المعيشة الصعبة، التي يعاني منها الكثير من المواطنين وجعلتهم لا يتأذون من جرح مشاعر الآخرين، بما انتهى إلى مجتمع «عديم الإحساس»، بحسب وصفه.

ويتابع هلال: القاهرة أصبحت مشوهة من قبل أناس ليس لديهم مثقال ذرة من الأخلاق، والذين حولوها إلى بلوكات أسمنتية تؤدي إلى العصبية والتوتر النفسي، موضحا أنها من أكثر العوامل التي ساعدت إلى انتشار الكراهية.

بجانب المظاهر البصرية التي حددها «فتح الله»، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أو «السوشيال ميديا»، التي شكلت انفجارًا تكنولوجيًا، من أهم وسائل قياس سلوك المصريين، الذين لا يعتبرونها مجرد وسيلة تواصل ترفيهية، بل أصبحت من أدوات الفتك بعلاقاتهم بسبب الانغماس الشديد فيها، الأمر الذي يؤدي إلى اهتراء شبكة العلاقات الاجتماعية الإنسانية، مرورا بتهديد منظومة القيم عبر الدعوة للشذوذ وازدراء الأديان والإلحاد، مرورًا بإثارة الفتن الطبقية والعرقية، ووصولًا للتشجيع على العنف والتطرف، وكأن المجتمع لم يكن يرتكن على ثقافة عامة تحميه إذا ما تعرض لطاقة نور من الحرية، كتلك التي منحتها «السوشيال ميديا».

الدراما متهم رئيسي وناقد فني يبرأ ساحتها

يلقي البعض باللوم على الدراما باعتبارها إحدي مسببات الكراهية، خصوصا أنها تصدر البلطجة كسلوك عام، خاصة في السنوات الأخيرة، إلا أن الناقد الفني طارق الشناوي يري أن الأمر له جذور قديمة، فالكراهية والقبح كانا موجودان في زمن الفن الجميل أيضًا، فقد كانت هناك صراعات مثلًا بين عبد الحليم حافظ ووردة، وبين فريد الأطرش وعبد الوهاب على سبيل المثال، ومن ثم علينا ألا نشعر بالأسى في الماضي مثل الحاضر لم يكن يختلف كثيرًا.

"الشناوي" حمل وسائل الإعلام جزءًا كبيرًا في تكوين هذه الظاهرة، ذلك لأنه مع الانتشار الواسع لـ "الميديا" أصبحت تركز فقط على الأخبار السلبية، وضرب مثالًا بأن الفنان محمد منير هنأ زميله عمرو دياب بعيد ميلاده الأخير، ولم تهتم الصحافة بهذا الأمر كثيرًا، مثلما اهتمت بخبر ظهور دينا الشربيني مع "الهضبة" في عيد ميلاده.

وردًا على التهم الموجهة للدراما بأنها تظهر البلطجة كسلوك عام في بعض الأعمال، وبخاصة في بعض أعمال الفنان محمد رمضان، قال "الشناوي": إن الواقع أشد قبحًا مما تقدمه الدراما، والشارع سابق في مسألة الإجرام بمسافات، والدراما لا تقدم سوي الواقع والواقع سيئ بكل تأكيد، بل إنها تتغاضى في أحيان كثيرة عن هذا السوء وتحاول تجميله.

طه إسماعيل: الاحتراف غير معالم الأخلاق في الرياضة

لا يمكن الحديث عن انفلات الأخلاق دون الانحراف مباشرة إلى طريق الرياضة، الوسط الذي يراه الكابتن طه إسماعيل المحلل والخبير الكروي ونجم النادي الأهلي ومنتخب مصر يفتقد للحب والإخاء والأخلاق الرياضية، حتى أصبحت الكراهية والعصبية والنفاق هي الصفات السائدة بين كافة مكونات الرياضة، لاعبين ورؤساء أندية وجماهير، بخلاف ما كان في الماضي.

ينحاز إسماعيل للماضي، ويؤكد أن اللعب كان «هواية» لذلك لم يكن يتطلب أي ضغط عصبي أو كراهية أو مؤامرات فاللعب كان للمتعة قبل أي شيء ولم يكن المقابل المادي مهما بقدر الاستمتاع بما يفعله اللاعب وبما يسعد به نفسه وجمهوره، ويعتبر شيخ الرياضة المصرية، أن العلاقة الإنسانية بين اللاعبين كانت ترتفع فوق أي شيء، بخلاف الوقت الحالي الذي أصبح يسوده التوتر والعصبية.

ويعد طه إسماعيل الأسباب في نقاط كثيرة، أهمها الاحتراف الذي غير معالم وأهداف كرة القدم ليصبح الضغط العصبي ونتيجة المباراة المتحكم الرئيسي في مستقبل اللاعب والمدرب، إضافة إلى الماديات التي أصبحت هدف ومطمع اللاعب والمدرب قبل اللعب، موضحا أنه أقصى "شتيمة" أو تجاوز من الجمهور ضد الحكم أيام زمان كانت "شيلوا رف حكم" أما الآن فالوضع أصبح لا يطاق من شتائم وإهانات الجمهور ورؤساء الأندية.

المشايخ.. اللعنة على الغرب والعولمة

الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، يعتقد أن الكراهية المنتشرة في المجتمع المصرى تعود إلى ظاهرة «الأنانية» التي تفشت بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يدل برأيه على تراجع الوازع الديني لدى الكثير من الناس، بجانب الغزو الفكرى والثقافى، و«العولمة» التي تدعونا إلى تقليد الغرب في كل شيء والتي من ضمن مبادئها عدم الاكتراث إلى مشكلات الآخرين.

يحاول عضو مجمع البحوث الإسلامية تجميل الصورة قليلًا فيقول: «على الرغم من انتشار تلك الظاهرة إلا أنه لايمكن وصف المجتمع المصرى بأكمله بأنه غير متعاون أو مفتقد للحب والود فيما بينه، فهي برأيه ظاهرة مؤقتة خلقتها أسباب معينة ولا يمكن تعميمها، وباعتباره رجل دين، يرى الحل في تلك الظاهرة يمكن في مراعاة الخطاب الديني والإعلامي لذلك المتغير الجديد والعمل على علاجه، ولكن إن كانت الأزمة في أرض الكنانة سببها العولمة حسبما يرى الشيخ، فماذا يحدث في دول الغرب نفسها ؟

أخلاقيات «الغرب الكافر»

رغم المشكلات الاجتماعية والأخلاقية المتأصلة في المجتمعات الأوروبية، نتيجة لظروف ارتضتها تلك الشعوب، إلا أنه ظل متمسكا ببعض الأخلاقيات المجتمعية التي تحكم العلاقة بين مفرداته، وتحتل مساحة كبيرة من العقل الجمعي لتلك المجتمعات.

ولعل أهم المؤثرات على طبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الأوروبي الاهتمام الشديد بالعمل، بما يجعل أوقات الفراغ أقل بكثير من المتوقع، فالعمل مؤثر هام في الحياة العامة والخاصة، وحتى في أوقات الفراغ، وفي محطات القطار، وفي الجامعات، ناهيك عن الشركات وأماكن العمل المخصصة للعمل أصلًا، فالألماني يفتخر بأنه لا ينتج إلا الأفضل في أقصر وقت ودائما ما يخطط إلى مستقبل أبعد، مما ينعكس في صورة ما على الحياة العامة.

وتحرص المؤسسات والمنظومات في أوروبا على المساحة التي يقدر فيها كل شخص ويكافئ على إنجاز أو أخلاق رفيعة، وسط عالم تسيطر عليه المادة، والمجتمع البريطاني خير مثال على ذلك، لذلك رأينا تكريم الملكة إليزابيث لوزير الدولة للشئون الخارجية توبياس إلوود؛ لأنه أنقذ حياة ضابط شرطة تعرض للطعن حتى الموت في الهجوم على البرلمان البريطاني، ولكن ماذا عن الأمن لدينا، كيف يري الأزمة من وجهة نظره ؟

عن الأمن والثورة والعنف المجتمعي

العميد محمود قطرى الخبير الأمني، يرى أن اندلاع الثورات تسبب في ظهور أشكال جديدة من العنف المجتمعى والإجرامي، انعكس بالسلب على المواطنين، وارتفعت معدلات الجرائم بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي ترصده جيدا وزارة الداخلية لمجابهة هذه السلوكيات لخطورتها على الأمن العام والاستقرار الداخلي، والعمل على خفض معدلات الجرائم الجنائية من خلال تطبيق منظومة أمن وقائي بتواجد عناصر شرطية في الشوارع تتدخل في حالة رصد أي مشكلة.

يكشف «قطري» عن دراسات أمنية تتم بالتنسيق مع أجهزة الدولة والمؤسسات الوطنية لوضع آليات مواجهة التغيرات المجتمعية حتى نستطيع الاحتفاظ بهويتنا وسلوكياتنا الطيبة، ويشدد على أن العناصر الإجرامية تحتاج إلى إعادة تأهيل بفلسفة أخلاقية تمنعها من العودة مجددا إلى السلوكيات السيئة.

المواطن يتحدث بنفسه عن «أخلاقه»

«فيتو» سألت المصريين في الشارع عن الأسباب التي تجعلنا نكره بعضنا البعض، وكان علي جمعة «موظف» أول من التقيناه وبدوره حمل «الضغط» الذي نواجهه في الحياة المسئولية باعتباره الشيطان الذي يوسوس لنا؛ لإيذاء الغير، ما يؤجج لثقافة الكره في المجتمع المصري.

وببساطة شديدة، يضيف جمعة: «بقينا بنكره بعض عشان مفيش حد بقى يحب إن حد يكون أحسن منه، والسبب اختلاف الأجيال، مش في جيلنا بس، ولكن فيه ناس كانت موجودة من أجيال فاتت كانت بتكره بعضها برده».

حازم سمير، «طالب» يختلف مع رأي جمعة، ويشرح دون فلسفة الأسباب التي جعلت المجتمع يكره بعضه قائلة: «أول أسباب الكرة إنك تركز مع غيرك وكل واحد حاطط في دماغه إنه أحسن من التانى، يعنى مثلا في الشغل لو حاطين عليك تطلع من الشغل زهقان، ترجع الصبح تلاقى واحد مصاحب المدير ومش بيشتغل نص شغلك وتلاقيه بقى مديرك في يوم من الأيام والماديات عمومًا جزء من الكره، إضافة إلى النميمة طبعًا».
الجريدة الرسمية