رئيس التحرير
عصام كامل

عمال النظافة.. "من نظام لنظام يا قلبى لا تحزن"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تراها صباح كل يوم ممسكة بمكنستها غير واضحة المعالم تنظف وتنظف، لا تلتفت إلا لشىء واحد هو مستقبل أبنائها، وكيف ستدبر المال الكافى لشراء دواء زوجها الذى لم تعد له قدرة على العمل، تتحمل حرارة الشمس وبرودة الشتاء.


إنها الست "أم هاشم" كما يناديها زملاؤها، إحدى عاملات النظافة التابعة لهيئة النظافة والتجميل، تتقاضى راتبا شهريا قيمته 850 جنيها بعد ثورة ظنت فى البداية أنها ستمنحها الحق فى حياة كريمة، إلا أنها فوجئت أن هذا الراتب بعد الإيجار والعلاج ومصاريف المدرسة، لا يختلف كثيرا عن الـ450 جنيها الذى كانت تتلقاه قبل الثورة.

بصوت بحته السنون تقول "أم هاشم" حتى اسم ابنى غيرته عشان خايفة حد يتعرف عليه من صوتى وهيئتى العامة، فأنا أرتدى النقاب فى الهيئة، وأنزل للعمل واضعة أملى فى يوم يكبر فيه ابنى الكبير ويحمل عنى المسئولية، صحيح أنا مؤمنة إن الشغل مش عيب بس كمان لازم أحافظ على مشاعر ولادى، خاصة أنهم متفوقين والحمد لله فى دراستهم.

وتضيف: فى البداية كنت أشعر بالغثيان، لكن ما باليد حيلة فهذه إحدى المهن المتاحة للأميين ومن لا يمتلكون واسطة، لكن المشكلة فى أن نمرض ولا نجد فى التأمين الصحى أى اهتمام "همّ قرصين بيتوصفوا لأى عرض" ولو حاجة خطيرة فليس أمامى إلا أن أضع اسمى فى كشوف الانتظار.

وألقت فزورة من العيار الثقيل لو معاكِ 10 جنيهات تجيبى بيها كام وجبة تشبعك فى الشهر، لأعلم أن بدل وجبة عمال هيئة النظافة والتجميل فى الشهر لا تتعدى "كيسين شيبسى "وكانز""، وأن المعاش المقرر لهم عشرة آلاف جنيه لا يحصلون واقعيا إلا على نصفه.

وتابعت: حكم النفس على النفس أصعب ما يمكنك أن تتخيله، فلك أن تتصور أن أدوات عامل النظافة لا تصرف له ولا حتى بدلته، لكنه مسئول عن إحضار أدواته على نفقته الخاصة، وتكون من عهدته، أما بدلته فبدلا من أن تصرف له كل ثلاثة شهور يحصل عليها كل ستة أشهر وتمتد للسنة أحيانا كثيرة، أما الأقنعة والقفازات فهذه رفاهية لا يحصل عليها إلا الصفوة.

وأكملت "أم هاشم": أما الخصومات فحدث ولا حرج، اليوم غياب بيومين خصم وطلب الإجازة متوقف على وجود البديل الذى يصعب وجوده لأن السبع ساعات عمل يستحق أن يفكر الواحد ألف مرة قبل نزوله أو استبدالها، وطبقا لمبدأ الشكوى لغير الله مذلة فقد اعتدنا كتم شكوانا فى صدورنا فمهما قلنا لا نجد من يلتفت لآهاتنا.

وعن مواجهتها للحياة الصعبة قالت: كل فترة أبحث عن مهنة تساعدنى وتقف أميتى دائما فى طريقى لذا لا أجد إلا مهنا بسيطة تدر على بعض الدخل كعاملة نظافة فى مستشفى، أو بائعة مناديل أمام إحدى الأسواق.

أخيرا وبنبرة حادة تضيف "أم هاشم": البعض ينظر لنا على أننا متسولون ونسوا أن التسول أسهل من أن تمتهن عملا يجعلك لا ترى من الدنيا إلا قمامة الغير، وأن مجتمع بلا عمال نظافة ستسود فيه الأمراض وشتى أنواع الكوارث، فضلا عن أنهم أول أسباب رؤية الشوارع بهذا المظهر "غير الآدمى"، فكم من ركب سيارة يفتح نافذته ويلقى بالقمامة منها، ونحن من تحنى ظهورهم لالتقاطها وفى الآخر يقولوا "زبال" بالله مين فينا إللى "زبال"؟!


الجريدة الرسمية