رئيس التحرير
عصام كامل

هل يتحول المصريون إلى فئران تجارب لشركات الأدوية؟.. «ملف خاص»

فيتو

أعد الملف:
أحمد رأفت- محمد المنسي- ريهام سعيد- مصطفى جمال- دينا عاشور- آيات الموافي- مصطفى إبراهيم- دنيا سمحي

في مصر فقط، يدفع البشر ثمن كل شيء، يتحملون أعباء الإصلاح الاقتصادي، يعانون من الأمراض والإهمال والفقر، يتكبدون المشقة في أعمالهم كل يوم، ولا يجدون ما يسدون به جوعهم، وكأن العذاب اختصهم بالنصيب الأكبر من هذا الثالوث، الذي يفتك بأغلبية المجتمع المصري منذ سنوات طويلة.

الآلاف من المصريين وقعوا ضحية أطماع شركات أدوية عالمية، اتخذت من السوق المصرية ملاذا آمنا لتجاربهم غير المشروعة، والتي فتكت بالكثير من المواطنين، دون علمهم، بعد أن وقعوا فريسة لمافيا عالمية، تقدم هؤلاء المرضى فئران تجارب للعديد من الدول؛ بينها إسرائيل.

الحكومة المصرية وافقت اليوم على قانون يسمى "البحوث الطبية"، في محاولة منها لوضع أسس ومعايير وضوابط إجراء الدراسات الطبية الإكلينيكية وحماية المبحوثين، سواء كانت هذه الدراسات وقائية أو تشخيصية أو علاجية أو غير علاجية
.

القانون يتضمن تشكيل مجلس أعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، يتكون من 3 أساتذة جامعات، وممثلين عن «الدفاع- والمخابرات العامة- والداخلية»، وتصل فيه العقوبات للحبس، وغرامة 500 ألف جنيه، في حالة المخالفين لبنود القانون.

 

تجرى الأبحاث على 4 مراحل، الأولى تطبق على عدد من 40 إلى 80 شخصا، والثانية على عدد من 100 إلى 200 شخص، ولا يجوز أن تطبق المرحلتان الأولى والثانية على بلد آخر غير بلد الباحثين، أما المرحلة الثالثة والرابعة، فيجوز فيها إجراء الأبحاث خارج الدولة التي تعمل على هذه الأبحاث.

كما يلزم القانون الباحثين الحصول على موافقة مستنيرة للمبحوث عليه، ولها مواصفات معينة لتقنين هذه الأبحاث، وتشمل المواصفات أنه يشترط أن يكون المبحوث عليه صحيحا، ليس به ما يمنع من إبداء موافقة على إجراء الأبحاث كأن يكون في غيبوبة.

قانون الأبحاث الطبية.. 50 عاما من التأخير 
الدكتور أشرف الخولي عضو رابطة الشركات متعددة الجنسيات "فارما"، يرى أن تطبيق قانون التجارب يضع مصر على أول طريق البحث العلمي، مشيرا إلى أن مركز مصر في جذب الاستثمارات الخاصة بالأبحاث الدوائية متأخر، حيث تحتل المركز 24 من 28 دولة في مؤشرات التنافسية للأبحاث السريرية.



وما ينفقه العالم على البحث العلمي يتخطى 163 مليار دولار، يبلغ نصيب مصر منه صفر، حكومات العالم تنفق 70 مليار دولار، والباقي تنفقه

كبرى شركات الأبحاث الدوائية في العالم؛ لاكتشاف أدوية جديدة لعلاج مواطنيها، وتحصل على مزايا، منها تسجيل الدواء سريعا، وتوفيره في الدولة.

كما أن تأخر مصر في إصدار قانون الأبحاث الطبية تسبب في عزوف مراكز الأبحاث العالمية عن السوق المصرية، وتتجه الأنظار نحو مراكز مختلفة بأوروبا وآسيا وأفريقيا، وليس من بينهم مصر.

يؤكد "الخولي" أن القانون يجعل الباحثين المصريين جزء من الاكتشافات العلمية الحديثة، لافتا إلى أن اكتشاف الدواء الواحد تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار، مشيرا إلى التجارب التي تجري في مصر بالمرحلة الرابعة، وذلك بعد طرح الدواء في السوق؛ لتحديد الأعراض الجانبية للدواء بعد مرور 10 سنوات على توفيره، ومصر تأخرت 50 عاما كاملة لكي يطبق القانون بها

المصريون فئران تجارب 
وقال الدكتور علاء غنام مسئول لجنة الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ إن مصر من الدول ذات الدخل المتوسط، وترتفع بها معدلات الفقر، مما يجعل المرضى بها فريسة للشركات متعددة الجنسيات؛ لإجراء تجارب على الأدوية الجديدة، خاصة أدوية علاج السرطان والأمراض المزمنة وأمراض الكبد.



وأكد "غنام" أن تطبيق القانون في مصر أمر عاجل، لا يحتمل تأخيرا أكثر من ذلك، مؤكدا أنه يحمي حقوق المرضى، ويعمل على التوعية بحقوقهم في إجراء التجارب، وحقهم في العلاج المجاني بالأدوية ذات التكاليف الباهظة، إضافة إلى توقيع العقوبات على الباحثين، وشركات الدواء التي تجور على حقوق المبحوثين.

صحة البرلمان: لا مانع من إجراء التجارب
أما لجنة الصحة بمجلس النواب، التي يرأسها الدكتور محمد خليل العماري، فليس لديها مانع من إجراء التجارب في أبحاث الدواء على المرضى، بشرط الالتزام بالأخلاقيات والقواعد المهنية المتبعة عالميا.

ويؤكد العماري أن دول العالم تطبق هذه التجارب، ولن نكون أول من يفعل ذلك، موضحا أنه سيتم تحديد موقف البرلمان من القانون عندما تتقدم به الحكومة لمجلس النواب، من خلال دراسة لجنة الصحة، وسيكون القرار برأي الأعضاء جميعا والمجلس بشكل عام.



التصديري للأدوية: إقرار القانون يحدث طفرة في صناعة الدواء
أشاد الدكتور ماجد جورج، رئيس المجلس التصديري للأدوية، بموافقة مجلس الوزراء على قانون تنظيم البحوث الطبية، لافتا أن إقرار هذا القانون والعمل به بمثابة "طفرة جديدة" في صناعة الدواء.

وأشار في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن أي دواء جديد يحتاج إلى إجراء أبحاث وتجارب عليه، وهذا الأمر لم يكن متواجدا في مصر بشكل مكتمل، بينما في الخارج يتم هذا الأمر بشكل منظم، مما استدعى إصدار القانون.

القضاء: القانون تفعيل للمادة 23 و60 من الدستور
قال المستشار أحمد عبد الرحمن نائب رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى: إن موافقة مجلس الوزراء على قانون البحوث الطبية "الإكلينيكية، يأتي تفعيلا لنص المادة 23 من الدستور التي تنص على؛ "تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي، لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي. 



وأضاف، في تصريحات لـ"فيتو" أن مشروع القانون الجديد يأتي تنفيذا أيضا للمادة 60 من الدستور المصري، التي تحرم الاعتداء على الجسد أو تشويهه، والتي تنص على "لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون، ويحظر الإتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون".

وأكد أنه كان يتعين أن تكون العقوبات الواردة بمشروع القانون الجديد التي تجرم الاعتداء على الجسد أو تشويهه جناية وليست جنحة، رافضا العقوبة الواردة لمن يخالف القانون الجديد، وهي الحبس وغرامة تصل إلى ٥٠٠ ألف جنيه.

واقترح أن تكون العقوبات المقررة بالقانون هي السجن المشدد لمدة 7 سنوات؛ لأنها تمثل جناية، عقوبتها هي كعقوبة جريمة الضرب الذي أفضى إلى موت، وليست مجرد جنحة، فضلا عن سن غرامات مالية أعلى، تتناسب مع حجم الضرر الذي يقع على الجسد، وتكون رادعة لمن يمثل انتهاكا لأحكام القانون.

«كريمة»: إجراء الأبحاث الطبية على المرضى «حرام شرعًا»

يرى الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لا يجوز شرعًا إجراء الأبحاث الطبية على الإنسان، مشيرًا إلى أنه في الأعمال الطبية الآدمية ينبغي عدم جعل جسد الآدمي محلا للتجارب؛ لأن ذلك يتنافى مع الكرامة الآدمية، مستدلًا بقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ».

وأضاف « كريمة» لـ«فيتو» أن هناك بدائل طبية عن تلك التجارب والأبحاث، وأنه في أوروبا والدول الغربية، يتم إجراء تلك الأبحاث على الحيوانات، ولا تجرى على الآدميين سوى ما يصدرونه لنا من أدوية للعالم الثالث؛ لتجرى نتائج وعواقب استخدامها على مواطني العالم الثالث، مؤكدًا على أنه فيما يخص الشريعة فهناك قاعدتان فقهيتان تقولان: «إن ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام»، و«إن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح».



وأشار أستاذ الفقه المقارن، إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: «لا ضرر ولا ضرار»، لافتا إلى أنه فيما يخص أخذ إذن الإنسان من عدمه، فإن الإنسان لا يملك جسده، وأن المالك هو الله عز وجل وليس للإنسان إلا الاستخلاف، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} بمعنى أن الإنسان ينتفع بجسده، لكن لا يبيع ولا يرهن ولا يهب، فهذا خارج اختصاص الإنسان.

الأبحاث السريرية.. سوق نشط عالميا وأمريكا في المقدمة
الحكومة المصرية ترى أنها تأخرت كثيرا في اتخاذ الخطوة نحو الموافقة على القانون، في الوقت الذي وصلت فيه العديد من الدول لنتائج جيدة في هذا الشأن.
 
تقارير أجنبية عدة صدرت مؤخرا، حول إجراء تجارب الأدوية السريرية في مصر بشكل غير شرعي، وهو ما دفع الحكومة المصرية للتعجيل بصدور قانون الأبحاث الطبية في اجتماعها الأسبوعي.
 
تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول النشطة في مجال التجارب السريرية التجارية؛ الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة أكثر من 39%، بحسب إحصائية صادرة العام الماضي، أي بما يقارب نحو 134 ألف موقع تجربة نشط، ولكن التجارب المسجلة لدى وزارة الصحة الأمريكية 37% فقط من إجمالي التجارب التي تجري بعيدا عن أعين الحكومة.


أما ألمانيا فتعتبر سوقا ضخمة للتجارب السريرية، وتحتل المرتبة الثانية في قائمة أكثر الدول إجراء للتجارب السريرية، وهي الأولى في أوروبا، بمعدل 22 ألف موقع نشط، مع توقعات بزيادة تلك النسب، خاصة في ظل أن سوق الأدوية في ألمانيا يصل حجمه إلى أكثر من 58 مليار دولار، ويؤكد مختصون أن ذلك المبلغ سيصل إلى 65 مليار دولار بحلول 2020.

وفي اليابان التي يبلغ عدد سكانها حوالي 126 مليون نسمة، وتعتبر ثاني أكبر سوق للدواء في العالم، بما يصل إلى 9.7% من سوق الأدوية العالمية، وتحتل المرتبة الثالثة ضمن قائمة الدول التي ينتشر فيها تجارب الدواء السريرية، ولكن شهدت على مدار السنوات الماضية العديد من المحاولات لتحسين تلك التجارب، ووصلت التجارب فيها إلى قرابة الـ20 ألف موقع تجربة نشط.

وتبلغ قيمة سوق الأدوية الفرنسية 46.2 مليارا، مما يجعلها ثاني أكبر سوق في أوروبا، خلف ألمانيا، على الرغم من أن التجربة السريرية القاتلة التي وقعت في يناير 2015 بالعاصمة الفرنسية، وتصدرت العناوين الرئيسية للصحف وقتها، وانتشر الأمر على الصعيد العالمي، وأثيرت أسئلة حول سلامة التجارب السريرية، وتحتل فرنسا المرتبة الرابعة مع عدد يقل عن 15 ألف موقع تجارب سريرية نشط.

أما إسبانيا فرغم إصدارها لوائح جديدة مؤخرا، بشأن التجارب السريرية لزيادة الشفافية، وتبسيط الإجراءات؛ من أجل زيادة عدد التجارب التي تجرى في العديد من المجالات، وعلى رأسها التجارب السريرية، يقبل البعض على إجرائها بشكل غير رسمي، ولدى إسبانيا حاليا أقل من 13 ألف موقع تجارب سريرية نشطة، وتحتل المرتبة الرابعة.



المصريون للحكومة: لسنا فئران تجارب

وبعد موافقة مجلس الوزراء، على القانون المنتظر، وترحيب الكثير من الأوساط العلمية والطبية، سادت حالة من الجدل بين المواطنين، ورفض الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي التساهل مع شركات الأبحاث الدوائية العالمية، حتى لا يتحول المصريون لفئران تجارب، واستطلعت "فيتو" آراء المواطنين، ومدى إمكانية مشاركتهم في الأبحاث الطبية والتجارب الدوائية.

البعض رفض الفكرة، واعتبرها إهانة في حق الإنسان، بينما اعتبرها آخرون فرصة لتحقيق مكاسب وربح سريع، وسخر غيرهم من القانون.

يقول علي محمد: «هو من قلة فئران التجارب عشان يجربوا علينا إحنا"، بينما يؤكد عبدالله مختار ساخرا: «موافق ويعطوني ١٠٠ ناقة حمرا»، في حين أكد مصطفى عابد: «موافق ويجيبولي شقة ويجوزوني».

رغم موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الأبحاث الطبية، إلا أن الموافقة بشكل نهائي على القانون لن تتم إلا بالرجوع لكافة الجهات والهيئات المعنية، مرورا بالأزهر الشريف، وحتى مجلس النواب، وهو ما يعني أن الأيام القادمة ستشهد جديدا فيما يتعلق بالنقاط الخلافية المثارة حول مشروع القانون.
الجريدة الرسمية