رئيس التحرير
عصام كامل

الملافظ سعد


الملافظ سعد.. لا أعرف أصلا لهذا المثل الشعبي ولا المناسبة التي قيلت فيه، لكنه يستخدم عادة لمن لا يحسن الكلام، وفي العشرين سنة الأخيرة أصبح المثل أكثر شيوعًا عندما استخدمته الفنانة سهير البابلي في مسرحية (ريا وسكينة) لمواجهة عفوية أحمد بدير، وأضاف الناس إليه ما أضافته فأصبح (الملافظ سعد يا عبدالعال)؛ ولأن العرب كانوا يدركون أهمية الكلمة وأنها مثل طلقة الرصاص تخرج دون رجعة.. وجدنا أمثالا شعبية أخرى تحث على انتقاء الكلمات ومنها (اقعد عوج واتكلم عدل) و(لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك) وغيرها مئات الأمثال التي تصب في نفس المعنى، ناهيك عن الثابت في القرآن والسنة من الآيات والأحاديث التي تلزمنا باختيار أفضل الكلم..


ومع ذلك اخترعنا قاعدة ( زلة لسان ) كلما أوقعنا الغرور والكبر والجهل في خطأ، وإذا استخدمنا هذه القاعدة مع العوام.. فيصعب استخدامها مع المسئولين والمثقفين، لذلك كانت زلة اللسان سببا في الإطاحة بوزراء ومسئولين، ولم يكن أمام القيادة السياسية سوى ذلك لتهدئة الرأي العام. مؤخرا.. أطلت علينا الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن مستخدمة مفردات غريبة وربما لا يستخدمها العوام حتى أنها أصبحت مادة ثرية لرواد السوشيال ميديا، فحتى نحد من الزيادة السكانية علينا مواجهة الخصوبة الزائدة في سيدات الصعيد.. هذه هي الروشتة التي وضعتها الوزيرة لمواجهة الزيادة السكانية.. وتلك كانت مفرداتها.

وقبلها كانت تصريحات الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، التي قال فيها إن نصف العاملين بالوزارة حرامية، وبعدها حاول استرضاء المعلمين بكلمات لم تحمل اعتذارًا وإن كانت أقرب إليه، عدم التركيز في اختيار المفردات خاصة من المسئولين تأتي بنتائج كارثية وتضع القيادة السياسية في حرج، فلم يكن مضى كثير على إقالة المستشار محفوظ صابر، وزير العدل الأسبق، بسبب استخدامه ألفاظا غير لائقة جرحت مشاعر شريحة من الشعب.. إلا ووقع المستشار أحمد الزند في نفس الخطأ وهو المثقف المفوه، أيضًا كان خطأ عبدالواحد النبوي وزير الثقافة السابق سببًا في الإطاحة به، عندما قال لفظًا يحمل إهانة لموظفة في مكتبة الإسكندرية. وبالتأكيد كان لاختيار الرئيس الأسبق مبارك جملة (خليهم يتسلوا) أثرًا في نفوس مؤيديه ومعارضيه.. وليست مبالغة إذا قلنا إن هذه الجملة ألهبت حماس من طالبوا بعزله أثناء أحداث يناير كما أنها أوجدت لنفسها مساحة لدى من يتصدون لكتابة التاريخ.

كثيرون أساءوا اختيار المفردات إما بقصد أو بجهل، وبعضهم لا يستخدم قاعدة لكل مقام مقال، فبالكلمة انتفض الشعب ضد مبارك، وبالكلمة أزاح الإخوان، وبالكلمة جمع السيسي الشعب حوله.. فهل أصبح تأهيل المسئول قبل توليه المنصب ضرورة؟ والتأهيل المقصود هنا هو كيفية التحدث إلى المواطنين وحسن التصرف تحت أي ضغط والمهارة في اختيار المفردات، أعتقد أن حصول المسئول على دورة تدريبية من هذا القبيل ليست عيبًا، لكن العيب هو العشوائية في اختيار الكلمات والجهل بأدبيات التحدث إلى الجمهور خاصة في هذه الفترة الحرجة.

بعض المسئولين يفضلون الابتعاد عن الإعلام وينأون بأنفسهم عن مواجهة الجمهور، لكن ذلك إن كان يصلح في أزمنة سابقة فلم يعد صالحًا حاليًا لأن رئيس الجمهورية كان سباقًا في كسر الحاجز حتى النفسي بين المواطن والمسئول من خلال مواجهات أصبحنا نراها في المؤتمرات الشبابية وفي افتتاح المشروعات، كما أن الإعلام أصبح في حاجة ملحة إلى معلومات لم يجدها إلا لدى المسئول، أعلم أن المسئولين يعملون تحت ضغوط غير مسبوقة، والميراث ثقيل والشعب يتعجل الإنجازات.. لكن العجلة في مخاطبة المواطن وعدم ضبط المصطلحات تسبب أزمة للاثنين.. المواطن والمسئول، كما أنها تضع القيادة السياسية في حرج.
basher_hassan.@hotmail.com
الجريدة الرسمية