رئيس التحرير
عصام كامل

«شريف بسيوني» الرجل الذي نعى نفسه فأبكى النشطاء.. «تقرير»

 دكتور محمود شريف
دكتور محمود شريف بسيوني، أستاذ القانون الدولي

فجرت رسالة إلكترونية تلقاها الإعلامي حافظ المرازي من دكتور محمود شريف بسيوني، أستاذ القانون الدولي، خبير الأمم المتحدة بجرائم الحرب، بعد رحيله، يوم الإثنين الماضي 25 سبتمبر، حالة من الجدل المصحوب بالحزن بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر".


الحكاية بدأت عندما كتب حافظ المرازي تدوينة على "فيس بوك"، اليوم الخميس، قائلًا: "حين تكتب نعيك بنفسك وترتب إرساله من بريدك الخاص بمجرد وفاتك! يبدو أن هذا ما فعله أستاذ القانون الدولي الأمريكي المصري د. شريف بسيوني حين توفى أمس الأول عن عمر يناهز الثمانين عاما في مدينة شيكاغو".

واستطرد المرازي قائلًا: "د. شريف الذي تولى من قبل تقصي الحقائق والادعاء لحق ضحايا المسلمين ضد مجرمي حرب البوسنة في التسعينيات، قرر بعد كفاح مع المرض في السنوات الأخيرة، أن يكتب نعيه وكلمته الأخيرة لكل معارفه، بحيث يتم إرسالها إليهم من بريده الإلكتروني الخاص بمجرد وفاته!".

وأضاف: "لذا تلقيت في بريدي رسالة منه وجدتها نعيه لنفسه بنفسه ووداعه لمعارفه. رحم الله د.شريف بسيوني وأعطانا من شجاعته وحكمته".

رسالة بعد الموت
أما رسالة شريف بسيوني فتقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون".. خلال المرحلة الأخيرة من مرضي بالأورام السرطانية المتعددة لخلايا النخاع (مالتيبل ميلوما) ودورتين ونصف من العلاج الكيماوي، تأملت مع نفسي سيرة حياتي ومقاصدي وإيماني. فوجدتني أردد مرارا وتكرارا آية: "إنا لله وإنا إليه راجعون" وهي نفس المعنى الوارد أيضا في التوراة والإنجيل. لا يوجد اختلاف كبير طالما كنت مؤمنًا بالله الواحد.. وأنا مؤمن الآن بأنني راجع إلى الله".

وحكي د. شريف في رسالته الإلكترونية: "منذ عدة سنوات رأيت زوجتي المرحومة "نينا" وروحها تفارق جسدها. كانت كل النوافذ مغطاة بالستائر في غرفتها بقسم الطوارئ في مستشفى نورث ويسترن، وكنت جالسًا في اتجاه آخر ليس ناحيتها، وإذا بي أسمع صوتا غريبا أقرب للرجات الصوتية من كونها حشرجة موت، التفت نحوها فإذا بأعلى جسمها يرتفع فعلا من فوق السرير بنحو ثلث متر وهي تحني رأسها للأمام والخلف ثم أغمضت عينيها وسقطت بجسدها مرة أخرى على السرير".

وقال: "لقد شهدت بكل أحاسيسي وليس فقط جوانحي خروج روحها من جسدها. وظلت هذه التجربة محفورة في ذهني لأسردها في ذكراي وأعرب عن الفرصة التي منحني إياها الله سبحانه وتعالى من الوقت والجلد حتى أحكي قصة حياتي للآخرين. وهي أنها حياة كرستها لقيم ثلاث تعبر عنها تلك الأحاديث والأقوال الثلاثة المأثورة.. "من رأى منكم منكرا فليغيره؛ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان" النبي محمد.. "إن أردت السلام، فاعمل على العدالة الاجتماعية" البابا يوحنا بولس الرابع.. "العالم يستند على ثلاثة أعمدة: على الحقيقة، وعلى العدل، وعلى السلام" الحاخام سيمون بن جماليل".

واستطرد شريف بسيوني في رسالته قائلًا: "أود أن أشكركم جميعًا على الدور المهم الذي لعبه كل واحد منكم في حياتي، من الصلات الشخصية التي تعطي الحياة بهجتها، إلى الدعم المهني الذي ساعدني على شق طريقي، إلى من سعى لعمل تغيير من أجل تحسين وضع البشرية. كم حظيت بنعم لاتحصى بمعرفة مثل هؤلاء الناس الرائعين".

أحزان الأصدقاء
انتهت رسالة د. شريف القانوني الدولي، خبير الأمم المتحدة المكافح من أجل السلام والعدل، لكن أحزان أصدقائه ومتابعيه لم تنته، حيث عبر الخبير الأممي إبراهيم نوار عن حزنه وتأثره برساله شريف بسيوني، فقال: "الدكتور شريف بسيوني كتب رسالة نعيه وفاته بنفسه وهو يكافح المرض".

وأضاف وليد عثمان: "رسالة وداع توازي في قيمتها نجاحاته المهنية طيلة حياته".

وعلقت أميرة إبراهيم: "إحساس بالرضا والسكينة في مواجهة الموت ربنا يرحمه".

وردت الشيماء سليمان: "القلوب الكبيرة عظيمة حتى في رحيلها".

صديق والده الباشا
وعبر أحمد شهاب عن حزنه قائلًا: "يا الله د. شريف لقد تربيت على يديه ويد والده إبراهيم بسيوني باشا، الذي كان يقطن بجوار منزل جدي وكنا أقرب أصدقاء وعائلة واحدة. بينما كان د. شريف كان أقرب صديق لعمي ووالدي ولكنه كان يعي في الولايات المتحدة، وكان دائمًا يأتي لزيارتنا، وخاصة بعد وفاة والده إبراهيم بسيوني باشا".

وأضاف شهاب: "في السنوات الأخيرة كان نادرا ما يزورنا، لكننا اعتدنا على مراسلة بعضنا بالبريد الإلكتروني، وكان إما يكتب أو يرد عندما أكتب له، أنا فخور جدًا وسأظل للأبد أفخر بمعرفتي للدكتور شريف، أرقد في سلام فسأفتقدك".

وكان د. شريف بسيوني قد توفي عن عمر يناهز الـ79 عامًا. وهو أستاذ وباحث في القانون الدولي، وحصل على الدكتوراه الفخرية بجامعة ده پول، والرئيس الفخري للجامعة الدولية لحقوق الإنسان معهد القانون، وشغل منصب رئيس المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، والرئيس الفخري للجمعية الدولية لقانون العقوبات، كما حصل على جائزة لاهاي للقانون الدولي، وذلك لمساهمته المتميزة في مجال القانون الدولي.

الجريدة الرسمية