قلب العروبة ينبض من جديد
على مدار السبع سنوات الماضية لم تنقطع زياراتى إلى سورية قلب العروبة النابض كما أطلق عليها قائدى وزعيمي جمال عبد الناصر، ومنذ الزيارة الأولى في منتصف عام 2011 وحتى الزيارة قبل الأخيرة في نهاية عام 2016 كنت أقوم برصد أحوال أهالينا بالإقليم الشمالي، وكنت ألاحظ تدهور الأحوال بشكل كبير، وأرصد في ذات الوقت حالة الصمود والتحدى في عيونهم، في مواجهة المشروع الاستعماري الغربي الذي يقود الحرب الكونية على وطنهم عبر أدواته التكفيرية بهدف التقسيم والتفتيت.
كنت أرصد ثقتهم وإيمانهم المطلق بجيشهم الباسل وقائدهم الشجاع، لكننى كنت أيضا ألاحظ في كل مرة أن طبول الحرب يزداد ويعلو صوتها، ومع ارتفاع صوت الانفجارات وانتشار الحواجز والمتاريس في كل مكان، كنت أشعر أن نبض القلب ينخفض بل يكاد يختفي في ظل دوران الآلة العسكرية المعادية على كامل الجغرافية العربية السورية.
كنت أحاول جاهدا عبر إطلالاتى المستمرة والمتكررة عبر المنابر الإعلامية المختلفة أن أبث روح التفاؤل والثقة في قلوب هؤلاء الصامدين صمودا أسطوريا، وأحاول أن أضمد جراحهم رغم أن قلبى كان يتمزق على ما أصاب هذا الجزء العزيز من وطننا العربي من دمار، لكننى وفى ذات الوقت كنت على ثقة بأن بلدا تمتلك شعبا وجيشا وقائدا مثل ما تمتلك سورية لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تهزم.
وفى زيارتى الأخيرة السريعة والخاطفة قبل أيام إلى قلب عروبتنا، والتي جئتها بوفد يحمل مبادرة شعبية لعودة العلاقات المصرية– السورية، حيث تم استقبالنا كالعادة بترحاب شديد، بدأ من الاستقبال الرسمى بقاعة الشرف في مطار دمشق الدولى، ثم الترحاب بالمبادرة والاهتمام بها على كافة المستويات الرسمية والشعبية، فتعددت اللقاءات من مقابلة مع السيد وزير الإعلام والمشاركة في مهرجان الإعلام السورى الأول، تبعها لقاء مع سماحة المفتى، ثم لقاء مع مجموعة من النواب بمجلس الشعب، ثم لقاء بجامعة دمشق مع مسئول حزب البعث ورئيس الجامعة وعميد كلية الإعلام، ثم ندوة بكلية الإعلام جامعة دمشق مع طلابها، وندوة أخرى بمؤسسة دام برس الإعلامية (التي أخذت على عاتقها التنسيق للزيارة) مع مجموعة من الإعلاميين الشبان، ثم لقاء نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم عشرة أحزاب سورية، ويترأسها الرئيس بشار الأسد، هذا إلى جانب لقاءات مع الفصائل الفلسطينية المقاومة، والتي تخوض الحرب بجوار الجيش العربي السورى، وندوة بمخيم الشهداء مع قيادات حركة فتح الانتفاضة، هذا بخلاف الاهتمام الإعلامي الكبير بالوفد والمبادرة، حيث استضافت كافة وسائل الإعلام الوطنى السورى المقروء والمسموع والمرئي أعضاء الوفد، لإلقاء الضوء على المبادرة الشعبية لعودة العلاقات المصرية– السورية.
وبالطبع تأتى هذه الزيارة في توقيت مختلف، حيث حقق الجيش العربي السورى انتصارات مدوية خلال عام الحرب الأخير، بداية بمعركة تحرير حلب وانتهاءً بمعركة تحرير دير الزور، وسيطرة الجيش على الغالبية العظمى من الجغرافية السورية وتجفيفه لمنابع الإرهاب، وقد لاحظت بوادر وعلامات النصر في كل مكان، فأصوات الانفجارات وطلقات الرصاص التي كانت في الزيارات الماضية من الطقوس التي أصبحت معتادة طوال الوقت قد اختفت وأصبحت نادرة، والساحات والشوارع والحارات التي كانت تحيطها الحواجز والمتاريس ويقف خلفها الجنود قد أزيل معظمها، وعادت الحياة تنبض من جديد في قلب عروبتنا.
وما زاد من طمأنتى هو خروجى بعيدا عن العاصمة دمشق، حيث لاحظت أن الطرق آمنة، فعبر رحلتى إلى محافظتى حمص وحماه، وهما من المحافظات التي شهدت معارك ضارية مع الأدوات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة لدى المشروع الأمريكى– الصهيونى في حربه الكونية على الأرض العربية السورية، لم أشعر بأجواء الحرب فالحركة على الطرق طبيعية، وتمكنت من توثيق العديد من الجرائم التي ارتكبتها تلك العناصر الإرهابية في حق الشعب العربي السورى، وفى حق الطبيعة والحضارة، حيث تم قتل الإنسان وحرق الأشجار والمحميات الطبيعية النادرة، وتحطيم الآثار في محاولة بربرية لطمس معالم حضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.
ومع نهاية الرحلة كنت قد تأكدت أن سورية قد بدأت تتعافى وتخرج من أزمتها فكل شيء يؤكد أن الحرب الكونية الدائرة عبر السنوات السبع الماضية قد أوشكت على الانتهاء، وأن سورية قد تمكنت من النصر على الأدوات التكفيرية، وبالتالي أفشلت مشروع التقسيم والتفتيت الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية، وهو ما يجعلنى أطلقها عالية مدوية إن قلب العروبة ينبض من جديد، وعلى مصر أن تسرع في عودة العلاقات الرسمية بشكل كامل ومعلن مع قلب عروبتنا التي خاضت معركة الدفاع عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.