رئيس التحرير
عصام كامل

المقدم حمدي مقلد: أبطالنا حققوا بطولات جماعية في 5 يونيو ولكن الهزيمة غطت عليها

فيتو

♦ تلقي الضربة الأولى في 67 كان قرارا سياسيا خاطئا وظَلَم الطيارين
♦ الطيارون والفنيون عزفوا أمل سيمفونية لتحقيق النصر

♦ بعد 40 يوما من الهزيمة قصفنا مواقع العدو في قلب سيناء
♦ حطمنا الأرقام القياسية في أعداد الطائرات واختصرنا مدة تموين الطائرة إلى 6 و5 دقائق بدلا من 20



المقدم حمدِي مقلد كان مسئول وحدة اللاسلكي والرادار باللواء 104، أثناء حرب أكتوبر، وأحد أبطال المعركة الذين أسهموا بشكل مباشر في تحقيق النصر، وصنع، وزملاؤه، معجزات لن ينساها التاريخ.


يرى أن السبب وراء هزيمة 67 هو القرار السياسي بأن نتلقى الضربة الأولى.. موضحا أن القادة وقتها كانوا يقدرون الخسائر بما يتراوح بين 4 إلى 6% فقط من قواتنا الجوية، وتم إعطاء الطيارين أوامر بالتواجد في القواعد العسكرية، ورفع حالة الاستعداد القصوى.. وكان الطيارون مرابطين، كل على طائرته، في انتظار أمر الإقلاع ولكن المفاجأة المفجعة هي دخول الطائرات الإسرائيلية الساعة الثامنة صباحا، أي في آخر ضوء، وعلى ارتفاعات منخفضة؛ الأمر الذي أدى إلى عدم كشفها على شاشات الرادارات الأرضية.


وأضاف في حوار خاص لـ"فيتو" بمناسبة الذكرى 44 لانتصارات أكتوبر، أن الشعب ظلم القوات الجوية والطيارين، واتهمهم بأنهم لم يدافعوا عن الطائرات أو المطارات وقتها.. ولكن الحقيقة أن الطيارين كانوا بالفعل داخل الطائرات على أول الممرات استعدادا للطيران، ولكنهم لم يتلقوا أوامر الإقلاع، بسبب عدم مشاهدة طيران العدو على الرادارات؛ فالطيار لا يستطيع الطيران أو ملاحقة أي هدف إلا من خلال التلقين من أبراج المراقبة التي توضح له موقف الطائرات المعادية والمسافات ووقت الضرب.. وإلى تفاصيل الحوار:


• 1967 كان لها ذكريات مريرة خصوصا على القوات الجوية.. اشرح لنا كيف حدثت الهزيمة؟
- الهزيمة كانت درسا مريرا بكل ما تحمله الكلمة، لا يستطيع المصريون نسيانه أبدا، وخصوصا رجال القوات الجوية الذين دفعوا حياتهم، واتهموا ظلما بأنهم المسئولون عن الهزيمة، في الوقت الذي لم يُسمَح لهم بالطيران.. القرار السياسي وقتها لم يكن سليما، لأنه لم يكن يعترف بقوة العدو الجوية، وصمم على تلقى الضربة الأولى، والانتظار حتى تدخل طائرات العدو إلى المجال الجوي المصري ثم التعامل معها، وتم استعراض الطائرات على الممرات بداخلها الطيارون استعدادا للدفاع..


ولكن إسرائيل فاجأتنا فدخلت طائراتها من اتجاه البحر الأبيض، وليس من سيناء، كما كنا نتوقع، وأيضا على ارتفاع منخفض مما حجبها عن شاشات الرادارات، ولم نتمكن من تحديد مكانها أو عددها، وقامت بضربة خاطفة للممرات أولا، وليست الطائرات حتى تشل حركة الطيارين وتمنعهم من الطيران، وفي الموجة الثانية قامت بضرب الطائرات على الأرض، وكانت النتيجة غير ما توقعها صانع القرار وقتها.. ووصلت الخسائر إلى 90% من إجمالي الأسطول المصري من الطائرات المقاتلة.



• هناك بطولات حدثت في هذا اليوم.. حدثنا عنها كشاهد عيان وقتها؟
- كان الهدف الأساسي للعدو الإسرائيلي من توجيه تلك الضربة هو شل القوات الجوية المصرية وتحييدها عن احتلال سيناء، كما أوضحت أنهم ضربوا ممرات الطائرات أولا ثم الطائرات، لأنه لا يستطيع أي طيار الإقلاع بطائرته، أيا كانت، إلا عندما يكون هناك ممر ممهد على الأقل لمسافة 1200 متر، ولكنهم قاموا بضرب الممرات بقنابل عنقودية، سُمَّيَت وقتها "قنبلة الممرات"، فكانت تنزل على الممر وتفجره تدريجيا، ولكن هناك ضباطا قاموا بعمليات انتحارية وقتها، مثل الرائد طيار نبيل شكري الذي قال وقتها: "إذا كان مقدرا لنا الموت، فلنستشهد ونحن نحارب أكرم لنا".. 


وبالفعل كانت هناك طائرة في الصيانة مختفية تحت الأشجار لم يرها طيران العدو، فأعطى شكري أمرا لعمال الصيانة بملئها بالوقود وتسليحها فورا للإقلاع، ولكن كانت المشكلة الكبرى في الممر الذي تم تفجيره ولا يصلح للإقلاع ولكنه حاول، وقام بقياس الممر، وكانت فيه نحو 900 متر فقط سليمة ولكنه غير صالح للإقلاع، فغامر بحياته وبالطائرة، ولكن كتب الله له النجاح، وبالفعل طار، وناور الطائرات المعادية، واستطاع إسقاط إحدى طائرات العدو، وعاد سالما، بل وأحضر جزءا من الطائرة الإسرائيلية كتذكار يلهب به حماس شباب الطيارين.



* كيف بدأ الاستعداد للثأر في القوات الجوية؟
- في ثاني يوم الهزيمة قام عبد الناصر بالاتصال برئيس الجزائر "بومدين" الذي لبى النداء فورا، وأرسل لنا طيارين قاموا بإحضار العشرات من الطائرات الجزائرية المقاتلة طراز "ميج 17 و21"، ويوم 15 يونيو بدأ الاتحاد السوفييتي فتح جسر جوي لمصر لإمدادنا بطائرات "ميج 21" مفككة، بدأنا في تركبيها بمصر في قلب "الجناين تحت الأشجار"؛ حتى لا تكون صيدا سهلا لإسرائيل لأننا لم نكن نمتلك صواريخ دفاع جوي بعيدة المدى، أو أنظمة اعتراض.. وبعد 40 يوما فقط من الهزيمة قامت القوات الجوية بقصف مواقع العدو داخل قلب سيناء، واحتياطي الذخيرة، ومواقع تمركز قواته، ووجهت له ضربات موجعة على مدار يومين..


 وكان هذا بروفة استعداد للقوات الجوية لاستعادة قوتها ومكانتها، وأنا أعتبرها بداية النصر.. وقد سافرتُ مع وفد من الفنيين والطيارين إلى الاتحاد السوفييتي في عام 69، لإحضار طائرات الميج 21 الجديدة التي قام الاتحاد السوفييتي وقتها بتصنيعها خصيصا لمصر بمواصفات خاصة تناسب المعركة المنتظرة، وتم تجهيز الطائرة الجديدة بخزاني وقود، وبدلا من صاروخين تم مضاعفة الصواريخ وزودت الطائرة بمدافع 100 طلقة.


* كيف أسهم التدريب الشاق في نجاح الطيارين والوصول للنصر في حرب أكتوبر؟
- بعد 67 تم تشكيل اللواء الجوي 104 في المنصورة الذي التحقت به حتى نهاية الحرب، وهو الذي انتصر في المعركة الشهيرة يوم 14 أكتوبر.. وكان الطيارون والفنيون يتدربون على أقصى درجات التدريب، حتى إننا فقدنا طيارين أثناء التدريب أكثر مما فقدنا في ميدان المعركة نفسها.. وكان هناك إعجاز من الفنيين دخلنا به التاريخ، حيث وصل الوقت اللازم لإعادة ملء الطائرة بالوقود وتسليحها إلى 6 و5 دقائق، بدلا من ثُلُث الساعة، وكان اختصار الوقت عاملا كبيرا في قيام الطائرة بأكثر من طلعة في اليوم، بدلا من طلعة واحدة لتعويض تفوق طائرات العدو في العدد؛ فالطائرة يتم ملئها وقود وتركيب صاروخين ومدفع 100 طلقة في ذات الوقت؛ مما أحدث مفاجأة للعدو في 1973..


 وكانت المعنويات مرتفعة جدا.. والكل متأهب للأخذ بالثأر والمساعدة في صنع النصر، وكلنا مؤمنون بعقيدة واحدة؛ هي: "إذا كانت الحياة غالية فالوطن أغلى".. بالإضافة إلى ذلك عمل مخابئ مصفحة للطائرات وأبراج مراقبة، وبدلا من 6 أمتار فوق الأرض أصبحت 1 متر، وسط أراض زراعية وأشجار..


 ولن أنسى أبدا يوم 6 أكتوبر عندما حانت اللحظة، وانطلقت الطائرات لتدك المواقع الحصينة للعدو الإسرائيلي، وتزلزل الأرض تحته، وتقتلعه تماما من أرضنا المقدسة التي احتلها في غفلة من الزمان.. ونجحت الضربة الجوية الأولى في تحقيق أهدافها تماما، وشل حركة العدو وتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.. ولم تتعد خسائرنا 2% من حجم القوات الجوية المقاتلة.. وأثناء الحرب قللنا زمن إقلاع الطائرة من 4 و5 دقائق إلى 3 دقائق، فصنعنا محول كهرباء يقوم بتشغيل الطائرة أثناء إقلاعها بدلا من الاعتماد على تشغيل المحرك الرئيسي، بالإضافة إلى محول آخر على الطائرة في حالة تعطل المحرك الأساسي وعزف الفنيون والطيارون أروع سيمفونية في الأداء والتضحية، وحققنا النصر والحمد لله.



• اللواء الجوي 104 هو صاحب النصر الأكبر ودخل التاريخ في معركة المنصورة الجوية.. حدثنا عن هذا اليوم كواحد من أبطال هذا اللواء؟
- إسرائيل لا تعترف أبدا بالهزيمة، ودائما تبحث عن مجد إعلامي حتى ترفع معنويات شعبها، ويوم 14 أكتوبر عندما حدثت الثغرة استطاعت بعض طائرات العدو اختراق حائط الصواريخ، الذي ظل صامدا طوال 6 أيام من الحرب، وكانت هناك إشارة لابد أن نقوم بها من البرج إذا ظهرت طائرتان على الرادار نطلق طلقة خرطوش في الهواء، وإذا كانت أكثر نطلق طلقتين، وفجأة وجدنا البرج يطلق العديد من طلقات الخرطوش لم نستطع عدها.
الجريدة الرسمية