رئيس التحرير
عصام كامل

رؤوس تتهاوى غير مأسوف عليها


ضحكت من شر البلية، حين قرأت نص استقالة وزير العدل أحمد مكي، حيث لم يخل من المبالغة والتناقض. وتمنيت بحكم الوطنية والانتماء أن يبتعد مكي عن فجاجة المبالغة بالجمع بين مصر ومرسي وألا يضعهما في كفة واحدة، لأن الأشخاص زائلون والوطن باق. ثم ماذا جلب مرسي لمصر سوى الخراب والانهيار والفتنة وشق وحدة الصف، حتى يدعو له مكي بأن يحفظه الله من المعارضين والمؤيدين على حد سواء؟! ...


كان حري بأحد رموز تيار استقلال القضاء، أن يحافظ على ما تبقى من احترام لشخصه وينقذ سمعته التي لوثها بنفسه، بأن يدعو الله أن يحفظ البلد من الجميع بمن فيهم مرسي نفسه، لكنه أبى أن يخرج عن نهج "الجماعة" في تقديس الأشخاص على حساب الوطن.

أما عن التناقض، فإن مكي أفاد إعلاميا بأنه استقال دفاعا عن القضاء واعتراضا على "الإهانات" الموجهة إليه.. لكنه في الاستقالة يشير صراحة إلى الأهداف النبيلة للمتظاهرين تحت شعار "تطهير القضاء وتأييد قانون السلطة القضائية".. فهل هو مع "نبل مظاهرات الجماعة الإرهابية"، أم مع استقلال المؤسسة القضائية؟!

يعود مكي إلى التناقض بقوله، إنه استقال حتى يستريح من الأعباء النفسية وأنه كان على علم بتغييره في التعديل الوزاري المقبل، وأنه «لن يعمل يوما لصالح جماعة الإخوان، وسيقف في صفوف القضاة للدفاع عن حقوقهم». والمعنى الواضح هنا أنه أراد ترك الوزارة بإرادته مستبقا الإقالة بإرادة المرشد والشاطر.

أما وقوفه في صف حق القضاة وعدم العمل لصالح الإخوان، فهو اعتراف صريح بأنه خلال توزيره انحاز لمصالح الإخوان ضد القضاء، وهذا تحديدا ما رفضته المعارضة، حيث تمنت أن يحافظ مكي على تاريخه ولا يهيل عليه التراب، لأن العمل بمعية الإخوان يعني ببساطة الانحياز للباطل.

لم يربأ مكي، "المناضل" في عهد مبارك، بنفسه عن مهزلة حكم "الإخوان"، بل تمرغ منتشيا في بلاط سلطة "جماعة" تتغول على الدولة، وسكت على اغتيال وانتهاك القضاء، الذي شهد بنزاهته العالم أجمع بمن فيهم الإخوان الذين قالوا، إن "القضاء المصري لا يخشى إلا الله" حين نالوا البراءة في عهد مبارك. ثم انقلبوا على رموز القضاء عندما تصدوا لمرسي الذي اختص نفسه بجميع السلطات.

انسياق مكي وتخاذله أضاعا سمعته وتاريخه... فضحى به الإخوان لأنه وزير "فاشل"، وودعه زملاء المهنة مصحوبا بالخيبة بعد أن توسموا فيه خيرا، فيما ترحمت المعارضة والقوى الوطنية على قامة تحطمت على صخرة "الإخوان" وهوت غير مأسوف على صاحبها.

وحتى لا ينبري مكي في النفي والتبرير، نذكره بالنذر اليسير من مواقفه المتخاذلة وهو الذي قال وقت النضال: "إن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية وإن استقلال القضاء هو الضمان الأخير لها"...

لكن القاضي العادل ما إن تولى الحقيبة الوزارية، حتى ناقض قناعته، إذ لم يحرك ساكنا حيال دستور معيب مفصل لصالح "الإخوان" بمؤامرة صديقه الغرياني، والتزم صمت الموافق ضمنا على إعلان دستوري لم تشهده ديكتاتوريات العالم، أصبح مرسي بموجبه إلاهًا، ووقف مكي متفرجا على فضيحة حصار المحكمة الدستورية ومنعها من مزاولة أعمالها، كما لم يتكلم عند إقالة النائب العام وتعيين قريب له بدلا منه بمخالفة صريحة.

وأيضا لم يمنع خنق الإعلام والتضييق على الصحافة والإحالات الجماعية للنيابة لكل من ينتقد السلطة الفاشية، والأدهى والأمر أنه اعتبر أن المعارضة تخريبية، ولم يتورع مكي عن الكذب بشأن تقرير الطب الشرعي الذي يدين الأمن في تعذيب المتظاهرين حتى الموت، وأخيرا لم يدافع وزير العدل عن القضاء حين الإعلان عن مذبحة وشيكة، وأمام كل ما يحدث من كوارث اعتبر مكي أن مرسي يخطئ بحسن نية. فهل تبقى بعد ذلك احترام؟!.

الجريدة الرسمية