رئيس التحرير
عصام كامل

مدارس «سوق الخضار» الدولية


يحمل سبتمبر لقطات لا أنساها.. حركة أمواج البحر التي رافقتني طوال طريقي للمدرسة حتى أصل إليها فتستقبلني شعارات بلا معنى، مطلية على أسوار مهدمة، لتلتقطها عيون تلاميذ لم يستيقظوا بعد.. أدخل إلى الفصل فاستيقظ على رائحة الطباشير، وألوان خشب المقاعد المتآكلة، وأصوات تقليب الأوراق وحكايات متناثرة حول إجازة الصيف المنقضي.


قبل سنوات كنت طالبًا في مدرسة لم ينقذني من سوء مستواها التعليمي إلا القراءة المستمرة خارج المنهج، والزيارات الدائمة للمكتبات العامة لذلك وجدت أن مناشدة البعض للحكومة بالتدخل في إدارة المدارس الدولية، نتيجة غضبهم من المصروفات، بمثابة فرصة لأذكر الجميع بأن طريقة الإدارة التي نجحت في تعبئة مدرستي بعلب المخلل والمربى في غرفة التدبير المنزلي، وحرمتنا من غرفة الموسيقى بعد أن حولت ملعب المدرسة إلى سوق لبيع الخضراوات ربما لا تنجح في إدارة مدارس يلتحق بعض طلابها بأرقى الجامعات العالمية مما يجعل هذه المطالب بمثابة لحظات غضب حسنة النية في مقصدها ولكن سيئة النتائج حال تطبيقها لأنها ستؤدي لتحويل ملاعب المدارس الدولية إلى أسواق لبيع الخضار.

كتب البعض خواطرهم على حوائط الفصل وبعد سنوات كتبوها على حوائط الزنزانة في لوحات مقبضة تؤكد أهمية تركيز مطالبنا على إصلاح منظومة التعليم الحكومي حتى تصبح قادرة على بناء الوعي والثقافة خاصة وهي الوسيلة الوحيدة المتاحة لمعظم الفئات التي لا تستطيع تحمل أعباء مصروفات التعليم الخاص لذا تستحق أولوية اهتمامنا وحماية منتسبيها من تكرار مصائر طلاب اجتاز بعضهم الشهادة الابتدائية ولكنهم مازالوا عاجزين عن القراءة أو الكتابة بشكل صحيح بعد أن تساوت الشهادات بأسعار الورق المطبوعة عليه.

يدفع المواطن الضرائب ويلتزم بمسؤولياته متحملًا ظروفًا معيشية مرهقة في سبيل إيجاد فرصة حياة أفضل لأبنائه، لتعويضه عما قاساه، ولكنه يجد أن التعليم العام غير قادر على صناعة عقولهم بما يساعدهم على الخروج من "مصيدة الفقر" التي صنعتها الظروف.

سوء جودة التعليم العام يجعل من مطالبة البعض للحكومة بالتدخل في إدارة المنشآت التعليمية الخاصة بمثابة تحريض على القتل.. وهذا ليس معناه أن نترك الأمور للمنشآت الخاصة دون ضمانات، لذلك الأجدى سيكون مطالبة الدولة بإرساء القوانين العادلة المنظمة لعملها، وترسيخ قواعد المنافسة التي تشجع على الاستثمار في التعليم وتمنع احتكار الخدمات، وإيجاد مناخ يساعد على إنشاء مدارس جديدة مما يؤدي لزيادة المنافسة بينها والتي ستعمل بالضرورة على تحسين الخدمات وتقليل الأسعار، والأهم سيكون تحديد معايير لجودة الخدمات التعليمية المقدمة وضمان تطبيقها لبناء وعي الطلاب بما يتفق مع هموم الوطن وتاريخه وحتى لا يتحول طلاب المدارس الدولية إلى غرباء عن الثقافة المحلية أو عقول تحمل الانتماء لدول تفصلنا عنها محيطات.

تمتلك مصر رؤيتها لإصلاح التعليم الذي أفسدته عهود سابقة، وبدأت بالفعل خطواتها التنفيذية من منطلق أن المواطن هو محور التنمية وركيزته الأساسية وسيكون علينا دائمًا وضع إصلاح التعليم العام في صدارة أهدافنا القومية الواجب دعمها، مع تحديد مسؤوليات الدولة ناحية المنشآت التعليمية الخاصة.. عندها سوف تختفي علب المخلل والمربى من مدارسنا.
الجريدة الرسمية