الناقد الفني محمود عبدالشكور: كباريه السبكي «منفلت».. وأفلامه تفتقد الحد الأدنى من الصنعة
- الدولة تتعامل مع الفن باعتباره ترفيها وتفرض عليه ضريبة الملاهي
- مشكلات السينما وحلولها معروفة ولكن لا يتم التنفيذ
- الجميع يتحدث باسم الجمهور ولم يسأله أحد عما يعجبه
انتقد الكاتب والناقد محمود عبد الشكور، حال السينما في مصر، ويرى أن الأسباب في ذلك الهرم المقلوب في مصر وتغير الأدوار وتراجع دور المخرج الذي يرى أنه رب العمل والمسئول عنه، كما أوضح أن أهل الفن في مصر هم الأكثر قدرة على المحافظة على السينما من غيرهم وأن الدولة تتعامل مع الفن باعتباره ترفيهًا وتفرض عليه ضريبة الملاهي.
وأكد أن السبكي ما زال يعمل على "التيمة" القديمة للأفلام ولكنه يفتقر إلى الإتقان، وأن الكباريه في أفلامه "منفلت" ولا يقارن بكباريه الأفلام الأبيض والأسود الذي كان يتمتع بالرقي والشياكة، وطالب بعمل دراسات على الجمهور الذي يتحدث الجميع باسمه ولم يتحدث إليه أحد ليعرف رأيه فيما يقدم له.
*من وجهة نظرك.. ما مشكلات السينما المصرية حاليًا؟
هناك مشكلتان أساسيتان بالسينما المصرية الأولى هي أن القطاع الخاص، لا يستطيع تنظيم نفسه بالعكس يضرب في بعضه أحيانًا، وينظر إلى المكسب القريب، أما الثانية، أن الدولة ما زالت تتعامل مع السينما على أنها مجرد "ترفيه"، وليست "صناعة"، ويتضح هذا في أنها مازالت تفرض عليها ما يسمى "رسوم الملاهي" وكـأن روادها ذاهبون إلى ملهى ليلي.
*هل يوجد علاقة بين السينما والأمن القومى؟
"ألف – باء" سياسة أن ترى ما إمكاناتك الثقافية وتعمل عليها، وهذا غائب فعليًا في مصر؛ بسبب غياب الثقافة والوعي، وللأسف لا يوجد إدراك لحجم العلاقة بين "الفن والأمن القومى"، ولا يدرك صانعو القرار أن الثقافة أمن قومي وأن السينما أمن قومي.
*كيف ترى أزمة دور العرض في مصر؟
معظم دور العرض مغلقة في معظم المدن والمحافظات فعلى سبيل المثال دور العرض بمدينة ملوى بمحافظة المنيا، وكذلك محافظة بنى سويف لا يوجد بها دار عرض واحدة، بعد حريق قصر الثقافة بها.
ويأتى السؤال عن دور الدولة، فالدولة يجب يجب عليها أن تقدم التسهيلات لمالكى دور العرض للاستمرار في فتحها، فغالبًا لا تغلق دار العرض إلا إذا كانت غير مجزية، فالسينما تأتي بالنقود إذا تمت معاملتها كصناعة، والنجوم المصريين كانوا معروفين بالاسم في روسيا وطشقند في الستينيات والسبعينيات.
*ما اقتراحاتك لحل أزمة السينما؟
حلول "مشكلات" السينما معروفة ولكن هل هناك نية حقيقية للحل، لقد كنت عضوًا بلجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة وقمنا بإعداد عدد من التوصيات، وتوصيات خاصة بحماية الفيلم المصرى، وأخرى خاصة بتيسير تصوير الفيلم الأجنبي في مصر، وكذلك توصيات خاصة بضريبة الملاهى، وقد اقترحنا حينها إلغاء الضرائب لمدة عشر سنوات حتى يكون هناك تشجيع على إنشاء دور العرض السينمائية.
*أين التراث السينمائي وكيف يمكننا المحافظة على ما تبقى منه؟
لقد طالبنا كثيرا بإنشاء متحف للسينما للمحافظة على أصول الأفلام والتراث السينمائى، مصر بها متاحف لكل شىء، إلا الأفلام نحن نحتاج إلى"سينماتك" على غرار "سينماتك" الموجودة بفرنسا، واهتمام الدولة بالسينما يفتقر إلى الاستراتيجية، فبعد أن ذهب ثروت عكاشة كوزير للثقافة، لا يوجد أي اهتمام فالفكرة فردية وليست استراتيجية دولة.
*لماذا دائمًا منحنى السينما المصرية ما بين الصعود والهبوط؟
البداية الصحيحة للسينما كانت مع "طلعت حرب"، وبناء "ستوديو مصر" -الذي لا يكفى بمفرده– ولن ينقذ السينما إلا العاملين بها، فلا يوجد من هو أحرص على صناعة السينما أكثر من العاملين بها، فيجب أن يتمتعوا بالوعى الكافى لرعاية هذه الصناعة؛ ولكنهم للأسف الشديد ينظرون تحت أقدامهم، ولا يهتمون إلا بالمكسب القريب، لذلك نرى أن منحنى السينما المصرية في صعود وهبوط بشكل دائم، والسينما تواجه المشكلات على فترات متباينة فمثلا خلال فترة الستينيات، وتحديدًا بعد التأميم، انكمش الإنتاج السينمائى، وخرج الكثير من النجوم المصريين إلى لبنان وسوريا، ولم تخل الستينيات من المشكلات.
ويجب أن نذكر أن الجمهور المصرى هو من أنقذ السينما المصرية، عن طريق إقباله على الفيلم المصرى رغم منافسة الأفلام الأمريكية، وهذه المشكلة تعد من أبرز المشكلات التي تواجه الفيلم الأوروبي فالجمهور الفرنسى على سبيل المثال، لا يقبل على الفيلم الفرنسى، لذلك قامت الدولة الفرنسية بعمل إجراءات لحماية الفيلم الفرنسى ودعمه من اكتساح الفيلم الأمريكي للسينما الفرنسية، وذلك لأنها تعتبر الفيلم الفرنسى جزءًا من الثقافة الفرنسية.
*هل ترى ضرورة تعيين وزير للسينما؟
لا أرى أقل من وجود وزيرًا للسينما وإن كنت أتحفظ في ذلك لأننا ببساطة عندما نضع أي شىء في هيكل إداري نقوم بإفساده.. المشكلة تكمن في الدولة وصناع السينما لأنهم ببساطة يقومون بالضرب في بعضهم البعض، فكان هناك أفلام يتم رفعها من دور العرض لصالح أفلام أخرى، وحدث ذلك في مواسم الأعياد على الرغم من أن السينما هي الطقس الأساسي للمصريين في العيد.
*ما مقاييس نجاح الأفلام في السينما المصرية.. أي كيف يمكن الحكم على نجاح الفيلم من عدمه؟
فيلم إسماعيلية رايح جاى، تم عرضه في عام 1997، في ظروف قاسية جدًا، فقد كان حينها كأس الأمم الأفريقية وتم عرضة في دار عرض واحدة، وكان المنتج في حالة ذهول ولم يكن قد قام بطباعة النسخ الكافية ورغم ذلك نقل إيرادات السينما المصرية إلى خانة الملايين، على الرغم من أنه لم يكن فيلمًا عظيما على الإطلاق ولكنه كان مهمًا لما حققه من إيرادات، لمعرفة الأسباب الحقيقية أو معايير نجاح أي فيلم يجب أن نقوم بعمل دراسات للجمهور.
*كيف ترى سيطرة الأفلام الاستهلاكية أو أفلام المقاولات على السينما الآن؟
السينما على مدى تاريخها كانت تقدم لنا أفلامًا استهلاكية، ولكن التليفزيون كان ينتقي أفضل الأفلام ويعرضها لنا لأن الرقابة كانت تضم عددًا من النقاد الواعين أمثال يوسف شريف رزق الله، حتى الأفلام الأمريكية كانت تنتقي منها الأفضل ليتم عرضها على التليفزيون، فالمشكلة تكمن في أن كل المعروض سيئ.
عالميًا، الأفلام الجيدة كل موسم سينمائى، قد لا تتخطى خمسة أفلام، من حجم إنتاج السينما،، فالسينما الأمريكية على سبيل المثال تنتج ما يقرب من 700 فيلم سنويًا، ولكن ما نراه منهم هنا في مصر نحو 40 فيلمًا، والأفلام التي تصل إلى الأوسكار ثمانية أفلام، وكانت القائمة من قبل تضم خمسة أفلام فقط، من إجمالي 700 فيلم.
القاعدة العامة في العالم كله عبارة عن هرم، تأتي الأفلام الاستهلاكية، تليها الأفلام جيدة الصنع في منتصف الهرم، ثم أفلام المهرجانات والجوائز، خلاصة السينما تتلخص في 20 فيلمًا مهمًا على مستوى العالم، والتي يتم عرضها في المهرجانات السينمائية الكبيرة، والتي تقدم لنا الخلاصة.
فالمشكلة عندما نجد أن كل الأفلام كوميدية "كله سبكى" وإن كان حتى "السبكى" نوعين فهناك السبكي الذي أنتج" واحد صحيح" و"ساعة ونص"، و"الفرح"، وقدم مجموعة أفلام جيدة، فقد قدم فيلمًا ليوسف نصر الله والسبكى الذي يقدم أفلامًا تفتقر إلى الحبكة السينمائية، على الرغم من أن أفلام السبكى تقوم على نفس "تيمة" أفلام الأبيض والأسود، ولكنها بالحد الأدني للصنعة.
فالكباريه هو الكباريه ولكن كباريه السبكى "منفلت".. وأفلامه تفتقد الحد الأدنى من الصنعة، ويرجع ذلك إلى أن عادة الجمهور في العالم كله في أوقات الأزمات يحتاج إلى "الفرفشة"، والجمهور يعلم جيدًا أن هذه النوعية من الأفلام ضعيفة، وعندما تسأله يقول لك "عايز انبسط" معنى هذا أن الفيلم يلبى لديه حاجة مثل "السيجارة".
*أفلام الرعب بالسينما المصرية.. لماذا لم تنجح؟
نحن لا نجيد صناعة أفلام الرعب، وفى فترة الثمانينيات هبطت أفلام الأكشن، وأفلام نادية الجندى كان يضحك عليها الجمهور، فالأكشن لم يكن متقنًا، ولكن الآن أصبحت أفلام الأكشن لدينا تضاهى الأفلام الأمريكية وتتفوق عليها، فالنقل من مرحلة العنف من رجل لرجل مثل نور الشريف في دائرة الانتقام، أخذنا وقتًا وكان هناك "دروب"، فعندما نرى مشاهد العنف في فيلم "سلام يا صاحبى" لـ "عادل إمام"، "كان مسخرة".
ويحسب لجيل أحمد السقا ومحمد رمضان، أنه من فعل هذه النقلة بفضل الجمهور فإقبال الجمهور على هذه النوعية من الأفلام أدخل الفيلم المصرى دائرة الملايين، ويذكر لهذا الجيل أيضًا، أنه أدخل الفيلم المصرى دائرة الملايين سواء الإيرادات أو الأجور.
يؤرخ فيلم "إسماعيلية رايح جاى" أنه أدخل السينما المصرية خانة الملايين، وهذه نقلة لم تكن موجودة وقد حقق حينها أكثر من عشرين مليونا، ووزع في جميع الدول العربية وحتى الآن لم نعرف سبب إقبال الجمهور على هذا الفيلم.
*ما تفسيرك لغياب نجمات الشباك عن السينما؟
النجمات حسب الشعبية، وظاهرة ترتبط بالسوق، نادية الجندى كانت ظاهرة ونموذجا يحتاج إلى دراسة، ومرتبطا بشباك التذاكر، وليس لها علاقة باتجاه معين بالسينما، الحكاية عبارة عن نجومية وتحقيق الإيرادات، فالفكرة بالأساس فكرة تجارية، فقط، فاتن حمامة ظلت حتى آخر حياتها يباع الفيلم باسمها، ويحدده سعر النجم بالشباك، ولا تنحاز السينما ضد المرأة.
*ما رأيك في حال الكوميديا في السينما حاليًا ؟
الأفلام الكوميدية حاليًا لا تنطبق عليها فكرة الفيلم الكوميدى وما هى إلا مشاهد تم تجميعها مع بعض، وتفتقر إلى البناء، ويجب أن نعلم أن الكوميديا لها شروط، نحن نشاهد أفلامًا ولا نعرف عما يتحدث الفيلم، من الفوضى الخاصة بخطوط الفيلم، وهذا مثل أن يبيع لك أحدهم سلعة مغشوشة، على سبيل المثال فيلم "ابن حميدو" نتذكر جميع ممثليه وتفاصيله، ولكن الآن نجد صعوبة في تذكر ما نراه، لأن ببساطة "مفيش فيلم" ويجب أن نفهم أن صناعة السينما لها أصول، فحتى بعض الممثلين المعروفين مخارج الألفاظ لديهم تحتاج إلى تدريب ودروس إلقاء، فالممثلون لا يشتغلون على أنفسهم، سعاد حسنى عند اكتشافها قاموا بتعليمها إلقاء على يد إبراهيم سعفان وعندما تسمع فؤاد المهندس لا تملك إلا أن تقول "الله"، من إتقان مخارج الألفاظ، وهذا دور المخرج.
من هم أبرز المخرجين حاليًا؟
محمد دياب وعمرو سلامة، تلامذة شريف عرفة، مروان حام "دماغ"، ولديه مشاريع عظيمة، وجميعهم مازالوا في البدايات، ولا ننسى ساندرا نشأت، ودورها في فتح المجال لأفلام الإثارة والتشويق بفيلم "ملاكى الإسكندرية"، وهناك مجموعة جعلت الفيلم مرتبطًا باسم المخرج منهم خالد يوسف ومحمد خان.
*من هم أبرز كتاب السيناريو من وجهة نظرك؟
محمد حفظى كاتب سيناريو "معتبر"، ويستطيع أن يكتب "السلم والثعبان" و"تيتو"، أحمد مراد واعد في كتابة السيناريو، صلاح الجهينى سيناريست فيلم "الخلية" و"أولاد رزق"، عودة عبد الرحيم كمال، مريم ناعوم.