رئيس التحرير
عصام كامل

نرشف عطر نجيب محفوظ في الذكرى الـ11 لرحيله.. «أديب نوبل»: الدين ليس ناديا رياضيا والحجاب موضة.. طه حسين أغواني والحياة بلا أدب بؤس كامل.. أحمد مظهر صاحب «الحرافيش» ولقمة العيش أهم

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

يجلس منزويا في أحد أركان منزله بالعجوزة، مرتديا بذلة زرقاء عتيقة الطراز مغلقة جميع أزرارها، حديثه صريح ومباشر، ولكن متحفظ إلى حد ما، ينصت إلى كل ما تقوله، يحتسي القهوة المرة ويدخن السجائر، ثم يضحك كثيرا.


هكذا كان أديب نوبل نجيب محفوظ، يجلس يستمع إلى أسئلة محاورته تشارلوت الشبراوي، محررة مجلة دي باريس رفيو الفرنسية، في حوار المصارحة، ليتحدث عن أعماله وأفكاره وحياته قبل 25 عاما، والذي نشر في صيف 1992 بالمجلة، والذي نشر فيما بعد في كتاب «بيت حافل بالمجانين» ترجمة وتقديم أحمد الشافعي.

وبمرور 11 عاما على رحيل نجيب محفوظ، نكشف عن أفكار وحياة أديب نوبل كما كان يراها هو نفسه.

«طه حسين وسلامة موسى»
يعتبر نجيب محفوظ أن حافظ نجيب، اللص الشهير الذي "دوخ" الشرطة وألف 22 رواية بوليسية، هو صاحب أول تأثير أدبي عليه، فكان محفوظ ابن 10 سنوات عندما قرأ روايته «بن جونسن» والتي غيرت حياته كلها، وفي فترة الدراسة الثانوية وقع أديب نوبل في غواية طه حسين، بعدما سبب كتابه «في الشعر الجاهلي» ردود فعل هيستيرية بين علماء الشريعة والمحافظين سنة 1926، وفي مرحلة الجامعة قرأ لسلامة موسى، معترفا بأنه تعلم منه «الإيمان بالعلم، والاشتراكية، والتسامح».

«عبث الأقدار» ونجاح «زعبلاوي»
يحكي نجيب محفوظ أنه في سبتمبر 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية وهجوم هتلر على بولندا، نشرت له قصة لأول مرة وهي «عبث الأقدار» بمجلة المجلة الجديدة، والتي كان رئيس تحريرها سلامة موسى، مؤكدا أنه لم يعتمد على الكتابة كمصدر دخل، بل كان ينفق على الأدب من ورق وكتب، ونشرت له 80 قصة بلا مقابل مادي، ولم يجن مالا من الكتابة مثلما جناه من وراء قصته «الزعبلاوي» التي حققت نجاحا كبير، وكانت سببا في ترجمة أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

«شلة الحرافيش»
ويكشف نجيب محفوظ عن أعضاء شلة الحرافيش التي كان ينضم إليها، قائلا: "تعرفنا لأول مرة عام 1943، وهم مصطفى محمود وأحمد بهاء الدين وصلاح جاهين ومحمد عفيفي، وكنا نتناقش في الفن والأحداث السياسية الجارية آنذاك، و«الحرافيش» تعني النهابين والذين يجدهم المرء على أطراف المظاهرات مستعدين للنهب عندما تسنح لهم أول فرصة.
وأشار أديب نوبل، أن الممثل أحمد مظهر هو من أطلق عليهم اسم «الحرافيش»، حيث كانوا يجتمعون في البداية ببيت محمد عفيفي، ثم يذهبون إلى صحارى سيتي في منطقة الهرم، إلى أن استقرت مقابلاتهم بمنزل المخرج السينمائي توفيق صالح.

الديمقراطية بين «ناصر والسادات ومبارك»
لم ينضم نجيب محفوظ بصفة رسمية إلى لجنة أو حزب سياسي، ولم يعمل بالسياسة مطلقا، وذلك لما رواه للمحررة، مؤكدا لها أنه تأثر بأحداث ثورة 1919، عندما كان عمره 7 سنوات، وكان تابعا صريحا لسعد زغلول باشا.
وعن ثورة 1952، أكد محفوظ أنه فرح بها كثيرا، ولكن لسوء الحظ لم تأتِ بالديمقراطية، مشيرا إلى أن زمن جمال عبد الناصر كان المرء يخاف من الحوائط، قائلا: "كنا نجلس في المقاهي والخوف يمنعنا من الكلام، وكنا نخشى الحديث في بيوتنا، ولكن السادات جعلنا نشعر بمزيد من الأمن، أما حسني مبارك فدستوره غير ديمقراطي، ولكن هو ديمقراطي، فنحن في زمنه نستطيع أن نقول رأينا والصحافة حرة، أما الناس في مصر فمشغولون بلقمة العيش ولا وقت لديهم لمناقشة الديمقراطية.

«الدين ليس ناديا رياضيا»
ويقول نجيب محفوظ، إنه كان متدينا بصورة خاصة وهو صغير، فكان يذهب مع والده لأداء صلاة الجمعة، مشيرا إلى أنه شعر بأن الدين لا بد وأن يكون منفتحا، وبدا له أن الانشغال المفرط بالدين هو ملاذ أخير، يلوذ به الناس حينما تنهكهم الحياة، واعتبر محفوظ أن الدين بالغ الأهمية، ولكنه خطر في ذات الوقت، وذلك لأن ليس هناك شيء يوثر على الناس ويحركهم أكثر من الدين، فالدين مرتبط بالحضارة والتقدم، وللأسف معظم التفسيرات المرتبطة به متخلفة ومناهضة للحضارة.
ورأى أديب نوبل أن الحجاب بات موضة، ولا يعني أكثر من ذلك، وأن أكثر ما يخشى منه التعصب الديني لأنه معارض تماما للإنسانية.
واعترف نجيب محفوظ، بأنه لا يؤدي فريضة الصلاة بانتظام، قائلا: "أحيانا أصلي، ولكن للأسف السن يمنعني في الوقت الراهن، فأنا أعتبر الدين سلوكا إنسانيا جوهريا ومعاملة الناس بطريقة جيدة، وأهم من قضاء المرء كل وقته في صلاة وصيام وسجود، فالله لم يرد من الدين أن يكون ناديا للتدريبات الرياضية.
وبسؤاله.. هل ذهب إلى مكة؟ أجاب محفوظ قائلا: "لا.. فأنا أكره الزحام".

«الحياة بلا أدب.. بؤس كامل»
ووصف نجيب محفوظ نفسه قائلا: "شخص يحب الأدب، ويؤمن بعمله ويخلص له، شخص يحب عمله أكثر مما يحب المال والشهرة، وبدون الأدب لا معنى لحياتي، وأشعر أن بغير الأدب كانت حياتي بؤسا كاملا".
الجريدة الرسمية