السفير حسين هريدي: الأمة العربية ورطت نفسها في مأزق إستراتيجي منذ ست سنوات
علينا الرد على اتهامات الكونجرس حول حقوق الإنسان بمصر دون انزعاج
حل الأزمة القطرية مرهون بعودة مقعد حكومة بشار للجامعة العربية
تجميد المستحقات المستقطعة من المعونة الأمريكية لا يشكل قلقا لمصر
لا يوجد لوبي بالكونجرس يعادي مصر لكن هناك أصواتا مؤثرة
المساعدات الأمريكية جزء من التزام الولايات المتحدة بمعاهدة السلام مع إسرائيل
يجب عدم ربط العلاقات المصرية الأمريكية برؤساء أو إدارات معينة
كوريا الشمالية لن تخوض حربا وإطلاقها للصواريخ يهدف لتقوية موقفها في المفاوضات مع أمريكا
احتمالات نشوب حرب بين بيونغ يانغ وواشنطن ما زالت بعيدة
الدبلوماسية أفضل الطرق لفهم الواقع.. فأصحابها لا يلتزمون بـ"أبجدية الصوت العالي"، ولا يحاولون تمرير أي أمور بـــ"صفقة سياسية"، لكنهم يمتلكون رؤية كاملة وواضحة للأمور، ويديرون الأزمات بـــــ"هدوء كامل".
السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الآسيوية، واحد من أشهر الذين تدرجوا في السلك الدبلوماسي المصري، سنوات عمله منحته خبرة كافية لقراءة المشهد العالمي، ليس هذا فحسب، لكنه يمتلك أيضا مقدرة على تقديم ما يمكن وصفه بـ"التحليل الشامل" للأزمات و"روشتة للعلاج".
مساعد وزير الخارجية الأسبق، حل ضيفًا على "صالون فيتو"، ووضعنا على طاولة الحوار معه، ملفات عدة، كانت القاهرة هي الطرف الرئيسي فيها، فالحديث بدأ من الأزمة الأخيرة التي أشعلتها كوريا الشمالية بتجاربها النووية، ثم تطرق إلى مشكلة تجميد جزء من المعونة التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لمصر، وكان للأزمة السورية، والقطرية، مكان على طاولة الحوار.
"هريدي" قدم وجهة نظر محايدة للأزمات تلك، وأزاح النقاب عن مناطق عدة كانت – حتى وقت قريب- خارج نطاق التفسير والتحليل، سواء فيما يتعلق بالأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، أو المناوشات التي تشهدها الساحة الدولية، وكان الحوار التالي:
بداية.. هل ينتظر العالم حربا نووية مدمرة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة بعد تصاعد حدة التوتر بينهما؟
دعني أقول لك إن إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي مر فوق جزيرة هوكايدو اليابانية يعتبر تصعيدا خطيرا من جانبها، وأعقب ذلك مطالب بعقد جلسة طارئة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، لكني أرى أن الخطوات التصعيدية التي اتخذتها كوريا الشمالية غاية في الخطورة، وعلى الرغم من ذلك أؤكد أن احتمالات نشوب حرب بين بيونغ يانغ وواشنطن ما زالت بعيدة.
*إذن ما الدافع وراء إطلاق صواريخها تجاه اليابان؟
أتصور أن القيادة السياسية في كوريا الشمالية أرادت إثبات إمكانياتها وقدراتها على إطلاق الصواريخ الباليستية، وتصويبها نحو المسارات التي تريدها، وهي رسالة ذات مغزى على المستوى الإستراتيجي، بالإضافة إلى الإعراب عن عدم ارتياح كوريا الشمالية للمناورات التي تجري بين الجيشين الأمريكي والكوري الجنوبي.
*وهل يقوض ذلك إمكانية جلوسها على مائدة المفاوضات؟
على العكس، كوريا الشمالية من المتوقع أن تستجيب للجلوس على مائدة المفاوضات، وتعمدت إطلاق تلك الصواريخ، لتبعث برسالة للولايات المتحدة وحلفائها بأنها عندما تقبل على الجلوس على مائدة المفاوضات، فإنها ستجلس من منطلق قوة، بما يفيدها خلال المحادثات، سواء تمكنت من وضع الرءوس النووية على الصواريخ الباليستية أم لا، فمن وجهة النظر الدبلوماسية أصبح "كيم جونغ أون" أقوى بكثير مما كان عليه في جولات التفاوض السابقة.
*لكن بالحديث عن كوريا الشمالية، هل تتوقع وجود صلة بينها وبين قطع المساعدات عن مصر كما ادعت الصحف الأمريكية؟
أعتقد أن علاقة مصر بكوريا الشمالية بعيدة كل البعد عن الخلافات بينها وبين الولايات المتحدة، وهناك قرار صادر من مجلس الأمن خاص بكل الدول ألا تتعاون مع كوريا الشمالية، وبالأخص فيما يتعلق باستيراد العمالة الكورية الشمالية، ويهدف ذلك إلى قطع كل مورد لحصول كوريا الشمالية على العملة الصعبة، ومصر تتفق مع أهداف المجتمع الدولي وأهداف قرارات مجلس الأمن من أننا لا نريد أن تمتلك كوريا الشمالية لقدرات نووية وسلاح ذري، وهو ما يتفق مع سياسات مصر الخارجية المتعلقة بنزع السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل ليس في الشرق الأوسط إنما في جميع أنحاء العالم، ومصر ظلت تدعو لتسوية الخلافات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة عن طريق التفاوض وعدم اللجوء لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
*إذن ما الأسباب الحقيقية وراء مسلسل تجميد المساعدات الأمريكية لمصر؟
عند الحديث عن المساعدات الأمريكية لمصر يجب الوضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة ستقدم لمصر مساعدات قيمتها مليار ومائة مليون دولار في العام المالي 2018، وهي مساعدات تمت الموافقة عليها من جانب الكونجرس، إضافة إلى المساعدات التي تم تجميدها بقيمة 195 مليون دولار، ومن المقرر أن تصل إلى مصر في الوقت الذي يتفق فيه الجانبان، وهي مساعدات مستقطعة.
*وماذا تقصد بأنها مساعدات مستقطعة؟
المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر انخفضت بشكل متسلسل، فكانت في البداية 850 مليون دولار، تم استقطاع جزء منها في عهد الرئيس كلينتون، واستمر الاستقطاع في عهد بوش وأوباما حتى وصلت إلى 250 أو 200 مليون دولار، وفي عهد الرئيس ترامب أصبحت 195 مليون دولار، لكن لا أعتقد أن تجميد ذلك المبلغ يشكل قلقا على مصر.
*ومن المسئول عن عملية قطع المساعدات بشكل فعلي في الدوائر الأمريكية؟
تخضع المساعدات الأمريكية لمصر إلى قرار صادر عن الكونجرس الأمريكي في يناير 2014، وبموجب هذا القرار فإنه على وزير الخارجية الأمريكي إرسال إخطار كل ستة أشهر للكونجرس يسأله «هل من مصلحة الأمن القومي الأمريكي أن ترسل الولايات المتحدة مساعدات لمصر أم لا؟»، وبناء على ما يقرره يتم إرسالها أو تجميدها لبعض الوقت.
*لكن أليس الحديث حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي؟
نحن ضد أي صورة من صور التدخل في الشأن الداخلي لمصر، لكن من ناحية أخرى هناك بعض النقاط المثارة في الكونجرس الأمريكي والإعلام والمراكز البحثية وعلينا التعامل معها والرد عليها دون انزعاج، فمنذ أيام اطلعت على مقالة لأستاذ قانون في إحدى الجامعات الأمريكية عن الأوضاع الداخلية مليئة بالمغالطات، وإذا كنت صاحب قرار، لتدخلت للتواصل مع الأستاذ الجامعي وشرح له الأمور على حقيقتها دون الدخول في مواجهة نحن في غنى عنها.
*ألا تتفق مع وجهة النظر القائلة بوجود لوبي داخل الكونجرس يعادي مصر؟
في الحقيقة لا يمكننا القول بوجود لوبي داخل الكونجرس يعادي مصر، لكن هناك أصواتا مؤثرة للغاية في الكونجرس لديها مواقف حول بعض الأمور الداخلية لدينا، ومسئوليتنا هنا أن نتواصل مع هذه الأصوات المؤثرة بصفة دائمة، وأن نشرح لهم ما يبدونه من انتقادات أو ملاحظات أو آراء معينة ونتعامل معه بشكل بناء، فموقف الكونجرس غير مقصود ضد مصر فقط، فنحن لسنا استثناء، ومن يتابع أعمال الكونجرس الأمريكي يجد أنه في أوقات معينة يتخذ مواقف من دول معينة، إذا لا بد أن تتغير وجهة النظر بأن الكونجرس الأمريكي يستهدف مصر، لأنه هو نفسه الذي وافق على منح مصر المساعدات من قبل.
*وهل ترى أن العلاقات المصرية- الأمريكية ستتأثر بعد تجميد المساعدات؟
لا يجب علينا حصر العلاقات المصرية الأمريكية في إطار المساعدات الأمريكية لمصر، وهناك ضرورة للتوصل إلى صياغة أجندة مشتركة بيننا وبين الولايات المتحدة تخدم مصالحنا في المقام الأول، فنحن على مدى العقود الماضية حصرنا علاقتنا بأمريكا على المساعدات، لكن يجب أن نذهب لأبعد من ذلك بكثير، خاصة أن الولايات المتحدة قوى عظمى، وعضو دائم في مجلس الأمن ولها ثقل في المنطقة، بغض النظر عن شعورنا بالرضا حول هذا الدور أولا، إضافة إلى أنها تمثل الدافع الرئيسي للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ الاتفاقيات التي وقعت عليها سواء مع مصر أو الأردن أو السلطة الفلسطينية، كما يجب ألا تكون العلاقات مع الولايات المتحدة مرهونة برئيس أو إدارة معينة، ويجب علينا أن نفهم النظام الأمريكي وكيف تعمل واشنطن كعاصمة للولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي أو المراكز البحثية.
*وكيف تقيم الأصوات المطالبة بالاستغناء عن المساعدات الأمريكية؟
لن أستخدم مرادفات يستخدمها البعض في مصر، فالمساعدات الأمريكية مرتبطة بمعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية أولا وأخيرا، وكانت ضمن حزمة مساعدات لكل من إسرائيل ومصر عام 1979، وبلغت قيمتها في ذلك الوقت 5 مليارات ونصف المليار، تقسم إلى 3.2 مليارات دولار للمساعدات الإسرائيلية، و2.2 مليار دولار لمصر، لكنها منحت لإسرائيل حق استخدام المساعدات في شكل نقدي تكون لها حرية التصرف فيها، بينما لم تمنح لمصر تلك الميزة، لكن ظلت المساعدات الأمريكية مستمرة لمصر كما هي من عام 1979 وما طرأ عليها هو نوع من التخفيض المستمر للمساعدات الاقتصادية، وظلت المساعدات العسكرية كما هي، لذلك يجب الفصل بين المساعدات الأمريكية وجوهر العلاقات بين القاهرة وواشنطن.
*لكن ألا تعتقد أن تزامن قطع المساعدات مع زيارة الوفد الأمريكي للشرق الأوسط، يعبر عن التخبط داخل الإدارة الأمريكية؟
لا يمكن لنا تسميته تخبطا إنما عدم تنسيق بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، فزيارة الوفد كان مقرر لها منذ فترة ولا تقتصر على مصر فقط، لكنها جولة في الخليج والشرق الأوسط وتم وضع برنامجها منذ فترة طويلة، لكن التواريخ لم تكن موفقة، وغير مقصودة، لأن وزارة الخارجية الأمريكية هي المسئولة عن ملف المساعدات الخارجية.
*انتقل معك إلى الأزمة القطرية، بعد مرور ثلاثة أشهر هل تعتقد أن الأزمة وصلت لطريق مسدود؟
يجب أن نوضح في البداية أن تحديد سياساتنا في المنطقة تقوم على أساس أن دولة من الدول العربية قررت أن تسلك طريقا خارج التضامن العربي، وقررت ألا تلتزم بقرارات الجامعة العربية ولا بالإجماع العربي، وقررت التحالف مع جماعات الإسلام السياسي بصورة لا حد لها، حتى ولو كان تَضرها على المدى البعيد، لكن الأهم خلال الوقت الحالي من قطر أن نعالج المأزق الإستراتيجي الذي تورطت فيه الأمة العربية خلال الست سنوات الأخيرة.
*وما المأزق الإستراتيجي الذي تورطت فيه الأمة العربية؟
يتمثل المأزق في عدم احترام ميثاق جامعة الدول العربية، الذي يقتضي بضرورة التوقف عن التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، والتوقف عن المحاولات اليائسة لتغيير أنظمة الحكم ويترك للشعوب حق اختيار نظام الحكم الذي ترتضيه، وهو الأمر الذي بدأ مع الأزمة السورية واتخاذ قرار بمنح مقعد الحكومة السورية إلى ائتلاف قوى المعارضة «وأنا مندهش من موافقة مصر على ذلك القرار».
*وما الحل من وجهة نظرك؟
يجب أن يعود الجميع لاحترام ميثاق جامعة الدول العربية، وتعود الحكومة السورية لتشغل مقعد سوريا في مقعد الدول العربية، وأن الدول العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا تعيد علاقاتها الدبلوماسية مرة أخرى وندعم الحكومة السورية في كافة جهودها لبسط الأمن والاستقرار في ربوع سوريا، وبالنسبة لقطر فإن الأزمة جاءت بسبب خروج بعض الدول عن أسس العمل العربي المشترك وانتهاك صريح لميثاق الجاممعة وبصفة خاصة المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية وهي مادة صريحة لعدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام استقلال الدول العربية، وقطر بعد انتهاك تلك المادة أتيح لها الفرصة لدعم وتمويل وتوفير الغطاء السياسي والإعلامي للجماعات الإرهابية بحجة دعم ثورة هنا أو ثورة هناك، أما قضية بقاء أو رحيل بشار الأسد لا يخص أي دولة عربية ويجب ترك حرية الاختيار للشعب السوري، والتمسك بقرار مجلس الأمن رقم 2254 في ديسمبر 2015، وإلغاء قرار الدول العربية في الدوحة بمنح مقعد سوريا لائتلاف القوى المعارضة، وتعود الحكومة السورية لشغل مقعدها، وفي حال تم ذلك ستعود قطر لحجمها الطبيعي، فكيف نطلب من قطر التغيير في ظل التمسك بالسياسات التي شاركت فيها قطر يوما من الأيام، فقطر كانت تجلس على منصة المفاوضات مع دول عربية جميعهم في مركب واحد.
*في النهاية، ما تقييمك لجهود الوساطة الكويتية لحل الأزمة القطرية؟
الجهود الكويتية مشكورة ومقدرة والكويت تبذل جهدها، لكن السؤال «هل ستتجاوب قطر مع هذه الجهود أم لا؟»، ولا يجب أن نتوقف كثيرا أمام السياسات القطرية، واحتواء النتائج التبعات الكارثية للسياسات القطرية يكمن في الدول العربية نفسها، مع الوضع في الاعتبار أن النظام العربي في مرحلة انتقالية حرجة والأمة العربية ورطت نفسها في مأزق إستراتيجي منذ ست سنوات وكلنا أمل أن تعود مصر مرة أخرى لتصحيح دفة العمل العربي المشترك.