حتمية عودة العلاقات «المصرية – السورية»!
العلاقات «المصرية - السورية» ممتدة منذ آلاف السنين، وما من حاكم تولى حكم مصر وكانت لديه رؤية لأبعاد الأمن القومى المصري إلا وقام بتوطيد العلاقة مع سورية باعتبارها إحدى أهم الجبهات الحافظة للأمن القومى المصري، فعلى مدى التاريخ كانت الجبهة الشرقية لمصر الممر الذي يعبر منه الغزاة وقبل عبورهم يكونون قد مروا على الشام واحتلوها قبل احتلالهم مصر.
فالهكسوس والمغول والحملات الصليبية قديما ثم الاحتلال الفرنسى والإنجليزي والصهيونى حديثا كلهم أتوا لمصر من البوابة الشرقية، لذلك لا عجب أن يدرك أحمس وقطز وصلاح الدين ومحمد على وجمال عبد الناصر أهمية سورية في الحفاظ على الأمن القومى المصرى، فلا حرب ولا سلم بدون سوريا ولا هزيمة إلا بضعفها ولا نصر إلا بقوتها، هذا هو درس التاريخ الذي استوعبه القادة العظام في تاريخنا القديم والحديث.
وإذا كان ديفيد بن جوريون، مؤسس الكيان الصهيونى، قد أكد منذ اللحظة الأولى لإعلان دولتهم المزعومة أنها لا يمكن أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي ( المصرى والعراقى والسورى )، فهذا يعنى أنهم يدركون خطورة الوحدة العربية، لذلك حين جاء جمال عبد الناصر ليوحد بين الجيشين المصرى والسورى عبر مشروع الوحدة العربية أسرعت القوى الاستعمارية لإفشاله، ثم قامت بانقضاض على جمال عبد الناصر وهزيمته واحتلال الأرض العربية في سيناء والجولان، لذلك خاضت مصر وسورية آخر حروبهم المشتركة في أكتوبر 1973 ضد العدو الصهيونى.
لذلك لا عجب من إدراك القوى الاستعمارية الجديدة في العالم والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية أن نجاح مشروعهم التقسيمي والتفتيتى للشرق الأوسط لا يمكن أن ينجح إلا بقطع العلاقات المصرية– السورية، ومنذ مطلع السبعينيات وفى أعقاب حرب أكتوبر وهى تسعى بكل الطرق لتمزيق العلاقات العربية عموما والعلاقات المصرية– السورية على وجه الخصوص، وقد نجح المشروع الاستعمارى في مسعاه عدة مرات، فعن طريق السلام المزعوم مع العدو الصهيونى انقطعت العلاقات المصرية– العربية، والمصرية– السورية لسنوات طويلة.
ولم تعد العلاقات إلا بغزو العراق للكويت ودخول مصر وسوريا حرب تحرير الكويت جنبا إلى جنب، واستمرت العلاقات المصرية – السورية منذ ذلك التاريخ وإن كان مشروعهم مختلفا إلى حد كبير فمصر فضلت السير في مشروع التبعية الذي بدأه الرئيس السادات، بينما فضلت سورية القبض على الجمر والتمسك بالمشروع القومى العروبي المقاوم، لكن ورغم ذلك ظلت العلاقات سواء الدبلوماسية أو العسكرية أو الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية مستمرة وعميقة بحكم المشتركات الحضارية بين الإقليمين.
وهبت رياح الربيع العبرى على منطقتنا العربية واستغل العدو الأمريكى الصهيونى ومعه الرجعية العربية المتآمرة تاريخيا على مشروعات الوحدة أدواتهم التكفيرية التي تمكنت من الوصول لسدة الحكم في مصر لتمزيق العلاقة بين الدولتين من جديد لإدراكهم أن أي تعاون مشترك بين مصر وسوريا وأى توحيد لجهود الجيشين يعنى هزيمة مشروعهم التقسيمي والتفتيتى، فخرج علينا الإرهابي محمد مرسي ليعلن الجهاد ضد سوريا العربية في سابقة لم تحدث في التاريخ، ويرسل بعض أعضاء جماعته الإرهابية للحرب ضد جيشنا الأول الجيش العربي السورى، ويأمر برحيل السفير السورى بالقاهرة وعودة السفير المصرى من دمشق.
وعلى الرغم من ذلك ظلت أجهزة الدولة المصرية خاصة المؤسسة العسكرية الوطنية على تواصل دائم مع دمشق وتنسيق وتعاون لم ينقطع يوما للتخطيط لمواجهة المشروع التقسيمى والتفتيتى بعيدا عن أعين أطراف المؤامرة وبعيدا عن أعين الرأى العام في كلا البلدين، وبالفعل نجح الجيشين في إفشال المؤامرة والإطاحة بالأدوات التكفيرية للمشروع من سدة الحكم في مصر، ولإدراك القيادة السياسية بأن الحرب خدعة وأننا لابد من الاستمرار في التنسيق سرا حتى نعبر الأزمة، ظلت العلاقات متوقفة عند حد التمثيل الدبلوماسي المنخفض حتى بعد رحيل محمد مرسي.
وللأسف يعتقد الكثيرون في كلا البلدين أنه لا توجد علاقات نهائيا وأن السفارات مغلقة والطيران بين القاهرة ودمشق متوقف، وهذا بالطبع غير صحيح فالعلاقات المصرية– السورية لم تنقطع لحظة واحدة والسفارات لم تغلق يوما والطيران لم يتوقف في أي وقت، فقط التمثيل الدبلوماسي يقف عند مستوى قائم بأعمال، وخلال الفترة الأخيرة بدأ التمهيد لعودة العلاقات عبر تصريحات القيادة السياسية في كلا البلدين، ثم كانت زيارة اللواء رئيس المخابرات السورية لمصر ولقائه بنظيره المصرى وإعلان ذلك للرأى العام مؤشرا على أن خطوة عودة العلاقات كاملة قادمة لا محالة.
وخلال الأيام الماضية وبحس وطنى وقومى بدأت بعض القوى الوطنية المصرية التي وقفت منذ اللحظة الأولى في الحرب الكونية على سوريا داعمة ومدافعة عنها في التحرك الإيجابى لدعم وتشجيع القيادة المصرية في اتخاذ خطوات أسرع نحو عودة العلاقات كاملة بين مصر وسورية وذلك للحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربي، فالمعركة مشتركة سواء ضد المشروع الأمريكى الصهيونى، أو ضد أدواته التكفيرية الإرهابية، وهو ما يعنى حتمية عودة العلاقة بين البلدين وتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الجيشين للقضاء على الإرهاب وتنظيماته، اللهم بلغت اللهم فاشهد.