اجتماع العاشرة إلا الربع
لا يوجد إعلام في العالم ليست لديه أجندة، إعلام الدولة له مهام أنشئ من أجلها، والإعلام الخاص له أجندته التي يضعها أصحابه، هذه ليست بدعة، لكنها قواعد استقرت منذ عشرات السنين، وإعلام بدون أجندة هو إعلام فقد بوصلته، قد تكون الأجندة هي المصلحة العليا للبلاد، وهذا موجود في إعلام الدولة، وقد تكون مصالح تتعلق بأشخاص، وهذا موجود في الإعلام الخاص، وقد تتوحد أجندة الاثنين إذا كان الأمر يتعلق بسلامة وأمن الوطن، وهنا تسقط القواعد الإعلامية وأهمها المهنية والحيادية، فلا وجود لهما إذا كان هناك خطر يهدد الدولة، ولا وجود أيضًا لإعلام في العالم كله لا تتدخل أجهزة المخابرات في توجيه بوصلته، يستوى في ذلك إعلام الدولة والإعلام الخاص، ومن يدعى غير ذلك منفصلا عن الواقع..
وطبيعى أن يزداد توجيه البوصلة في الأوقات الحرجة التي تمر بها الدول، وإذا كان البعض يتخذ من تدخل الأجهزة الاستخباراتية ذريعة لاتهام الإعلام بعدم المهنية والانصياع لتعليمات أمنية.. فعليه أن يفتش في ملفات كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم التي نركن إليها عندما نضرب مثلا بالمهنية.. قد أكون صادمًا، لكنه الواقع بعيدًا عن أي زيف.
من يعمل في محطة "بى بى سي"، يشعر بالفخر، بل إنه يستخدم فترة عمله بها كمسوغ للتعيين في أي محطة إذاعية أو تليفزيونية.
جلسة جمعتنى بصديقى الأردنى على الطراونة، وهو أحد الإعلاميين الذي عملوا في "بى بى سى"، تحدث صديقى عن أهمية اجتماع الساعة العاشرة إلا الربع صباحًا الذي اعتاد حضوره أثناء عمله في هذه المحطة العريقة، أما أهمية الاجتماع فتكمن في التوجيهات التي تملى على المذيعين من جهاز المخابرات البريطانية، حيث يحرص أحد قادته على الحضور يوميًا إلى المحطة للمشاركة في الاجتماع والمطالبة بالتركيز على قضايا معينة في دول بعينها، وعادة ما يكون "اسكربت" الحلقة موجودًا مع ضابط المخابرات، لا يحيد عنه المذيع، وقطعًا ما يملى من الضابط يصب في مصلحة بريطانيا..
قد تكون الإملاءات لتحقيق مصالح آنية تتعلق بتوضيح وجهة نظر بريطانيا في حدث معين أو لفت الأنظار عنها في أحداث أخرى، وقد تتعلق الإملاءات بخطط بعيدة المدى تحقق لبريطانيا مصالح أكبر، لم أنزعج من حديث صديقى الطراونة عندما تطرق إلى اتصال تليفونى أجراه مع صديقه الإعلامي المغربى الذي عمل معه في "بى بى سى" ومازال مستمرًا بها، كان الاتصال في منتصف عام 2010 للاطمئنان عليه، ولم تخل المكالمة من الحديث عن أوضاع العمل، حيث أكد الإعلامي المغربي أنه وزملاء له سوف ينتقلون للعمل في المنطقة العربية مطلع عام 2011، وستكون "تونس ومصر وسوريا وليبيا" مستقرًا لهم لأن أحداثًا كبيرة تنتظر هذه الدول..
وبالفعل بدأت الأحداث في يناير 2011 وأصبحت المنطقة العربية ومنها مصر ملتهبة يرتع فيها إعلاميون من أنحاء العالم ينقلون الأحداث وفقًا لرؤيتهم غير مكتفين بمراسليهم المعتمدين، آلاف الأجانب شاركوا في نقل الواقع تارة وتزييفه تارة أخرى، بعضهم إعلاميين والبعض الآخر ارتدى ثوب الإعلام كمبرر لوجوده في مصر.
كلام الطراونة وصديقه المغربى يدلل على أن الإعلام حتى في المحطات الكبرى يعمل بنفس الرؤية المستقبلية التي تعمل بها أجهزة المخابرات، بل إنه يهيئ لها مسرح الأحداث، ويمهد أمامها الطريق لتحقيق الهدف، وهنا تسقط كل القواعد الإعلامية ويتحول الإعلام مهما كان حجمه إلى أداة تحقق للدول مبتغاها، حتى لو كان مجرد تخريب لدول بعينها.
ما تبثه "بى بى سي" في الفترة الأخيرة تجاه مصر يؤكد صدق ما قاله صديقى الأردنى، أما ما قاله الإعلامي المغربى لا يسقط القناع فقط عن هذه المحطة، لكنه يرد على من يتخذونها مرجعية، وعلى من يتحدثون عن مهنية وحيادية الإعلام في الأوقات الحرجة التي تمر بها البلاد.