عبقرية بيل جيتس!!
لست أدري هل التفت رجال الأعمال والأغنياء عندنا إلى أعمال الملياردير الأمريكي العبقري "بيل جيتس"، صاحب شركة "مايكروسوفت"، فلا يزال الرجل مضرب الأمثال في أداء الوظيفة الاجتماعية لرأس المال، فقد تبرع بأكثر من 35 مليار دولار منذ العام 1994، ومنذ أيام قليلة أعاد التبرع بنحو 5% من ثروته الكبرى لأعمال خيرية تديرها مؤسسة "إند ميلاندا" الخيرية..
ولم تقف عبقرية بيل جيتس عند حدود العلم الذي فتح من خلاله أمام البشرية عصر البرمجيات الذي لا ندري إلى أي حدود سوف يصل بنا بعدما فتح لنا الآفاق في عالم السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر وغيرهما، والتي جعلت العالم عند أطراف الأصابع في قرية كونية صغيرة وأتاح للشعوب ديمقراطية حقيقية تمارس من خلالها حوارا بناءً ونقدًا لحكوماتها كما وفرت تلك التكنولوجيا للرؤساء منصة تواصل حقيقية مع الشعوب.
لقد جمع "بيل جيتس" أسرته ووضعوا قواعد أسرية صارمة لسبل إنفاق ثروتهم الهائلة، وقد فطن جيتس إلى حقيقة مهمة مفادها أن المال الكثير مثل السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ومن ثم قرر الأب الفاضل والأم الذكية حماية أولادهما الثلاثة من إفساد التربية بالمال الكثير المصحوب دائمًا بأصدقاء السوء، فعمدا إلى تربيتهم على القيمة الحقيقية للمال الناتج عن العمل والجهد الحقيقي طريقًا للنجاح ولا شيء سواهما، ورغم ما حققته شركته من مكاسب بمليارات الدولارات فقد هدف الأب غرس قيم العصامية وتقديس العمل في وجدان أبنائه ليستكملوا ما بدأه من عمل عبقري ويبنوا عليه حماية لهم من شر المال والضياع والغرق في عالم الملذات والمخدرات والفشل، ومنحهم مصروفا يوميًا يكفي بالكاد احتياجاتهم الضرورية بما لا يزيد عما يصرفه أمثالهم من أبناء الطبقة الوسطى..
هذه هي القيم النبيلة والرسالة السامية التي ينبغي أن يتأملها أغنياؤنا ويقومون بمحاكاتها لتتولد طبقة رأسمالية جديدة لا يكون همها النهب والتكويش وجمع الثروات من حل ومن حرام كما يحدث الآن من جانب البعض، ولكن باحترام المال وتوظيفه بصورة مثلى لمساعدة الفقراء وتوليد فرص العمل والإسهام في مشروعات ذات نفع عام..
هذا هو الدرس الذي نحتاجه بشدة في مجتمعنا حتى نتفادى فساد الرأسمالية المتوحشة ونؤسس لرأسمالية جديدة تبني وتعمر وتشارك في بناء نهضة مجتمعية وطفرة اقتصادية تسعد البشرية وتنقذها من تعاسة الفقر.. إنها عبقرية بيل جيتس وزهده ورقيه.. هذا هو النموذج الذي ينبغي أن يظل ماثلًا في أذهان الرأسمالية المصرية التي عليها أن تعيد صياغة مفاهيم الوظيفة الاجتماعية لرأس المال برشد وإيثار وحب للجميع.