رئيس التحرير
عصام كامل

صحفيون ولكن فقراء!


كثير من الناس يعتقدون أن الصحفيين يحصلون على أعلى المرتبات ويعيشون في رغد.. ولكن المؤلم أن الحقيقة غير ذلك تمامًا فـ 97% من الصحفيين مرتباتهم لا تلبي احتياجاتهم ولا توفر لهم حياة تناسب مكانتهم في المجتمع وطبيعة عملهم.. يعني باختصار يعيشون تحت خط الفقر.. أما الـ 3% أو أكثر قليلًا من الصحفيين والإعلاميين بوجه عام هم فقط من يحصلون على دخول مرتفعة جدًا نظرًا لطبيعة عملهم كمذيعين يقدمون برامج الـ "توك شو" وتعرفهم الجماهير بالاسم، وهو ما أعطى انطباعا لدى الكثيرين بأن عامة الصحفيين والإعلاميين يحصلون مثلهم على مرتبات مرتفعة.


المؤسف حقًا أنه رغم أن الصحفيين هم من يبرزون أعمال الآخرين وسبب شهرة الفنانين ولاعبي الكرة والمسئولين.. ويكتبون عن معاناة الجماهير بوجه عام ومشكلات المجتمع وكشف الفساد والإهمال إلا أنهم أكثر الفئات التي تعاني متاعب الحياة في شبابهم وكبرهم ولا يجدون من يقدر عملهم طيلة حياتهم أو يكرمهم. فهم مثلهم مثل غالبية المجتمع يعانون من مصاعب الحياة من مسكن ومأكل وملبس وعلاج.. فالصحفي عندما يخرج إلى المعاش يحصل على 1400 جنيه بالإضافة إلى معاش النقابة الذي يصل إلى 1200 جنيه هذا كل دخله بعد رحلة عمل طويلة وشاقة في بلاط صاحبة الجلالة فكيف يواجه ظروف الحياة القاسية وما يتطلب ذلك من ضرورات إضافية نظرًا لتقدم العمر بهذا المبلغ المتواضع!!

المؤسف أكثر أن نقابة الصحفيين ومعظم المؤسسات الصحفية تتخلى تمامًا عن علاج أصحاب المعاشات من الصحفيين بعد جهاد مهني طويل أعطوا فيه من العمل والعرق لمهنتهم ومؤسساتهم الصحفية.

أليس غريبًا أن يطالب الصحفي بعلاج فنان أو شخصية عامة على نفقة الدولة.. ويعجز عن مساعدة نفسه إذا مرض أو حدث له مكروه.

كم من زملاء عانوا من المرض ورحلوا عنا في صمت.. ونكتشف فقط وجود نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة وبعض كبار الصحفيين في سرادق العزاء!!.. وكان من الأولى أن يقدموا العون والرعاية لهؤلاء الزملاء وهم أحياء يعانون من قسوة المرض وتكاليف العلاج الباهظ.

منذ أيام رحل عنا الرجل الطيب "فاروق عبد العزيز" بعد جهاد مهني طويل وعناء صامت مع المرض وهو الذي كان مثالًا للعطاء والوفاء والسند لكل الزملاء بجريدة الجمهورية.. وكان يستحق اهتمامًا أكثر.

رحل "فاروق عبد العزيز" الأخ الأكبر وزميل مشوار الكفاح الطويل في بلاط صاحبة الجلالة جريدة الجمهورية التي جمعتنا كزميلين متحابين في أروقتها وتحت مظلتها.. عرفته إنسانًا لم يتلوث قلبه بأمراض الحقد والغل والأنانية، اتسع صدره للجميع، لم تفارق ابتسامة الحب وجهه وبشاشة الرضا كانت إحدى سماته الشخصية، عمل محررًا بقسم الأخبار بالجمهورية حتى تولى رئاسته ورغم ذلك لم يترك عمله محررًا للبترول والكهرباء، أثبت جدارة وتفردًا في مجاله، كان قادرًا على صناعة الخبر والسبق الصحفي، شملنا قرار تعيين واحد أصدره الكاتب الصحفي الكبير محسن محمد وضم معنا الراحل العزيز صفوت أبو طالب.

جمعتني بفاروق عبد العزيز الصداقة إلى جوار زمالة العمل حتى إنه كان شاهدًا على عقد قراني.. ولمست فيه دماثة الخلق وطيب العشرة.. وقد ترك رحيله في نفسي حزنًا وألمًا كبيرين.. لكنها الحياة ليس فيها بقاء ولا خلود إلا لله رب العالمين.. نأخذ العبرة من الموت الذي لن يفلت منه أحد.. ولا يبقى إلا السيرة الحسنة ومراجعة النفس والاستعداد لمثل هذا اليوم.. وليت الذين طالت سهام نقدهم الزميل فاروق عبد العزيز من خلف ظهره يومًا ثم سرعان ما تظاهروا بالبكاء عليه بعد رحيله ليتهم يراجعون أنفسهم.. فإذا لم يكن الموت واعظًا فلا واعظ لهم ولا خير في كثير نجواهم.. وأربأ بهم وبنفسي أن يتحقق فيهم قول الله تعالى: "ومن الناس من يشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام".. رحم الله زميلنا الكريم وأسكنه فسيح جناته وألهمنا وآله الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. 
الجريدة الرسمية