رئيس التحرير
عصام كامل

المعاني الروحية لمناسك الحج


كنت قد تحدث في المقال السابق عن الحج ومعناه وتعريف مناسكه، ووعدت أن أتحدث عن بعض المعاني الروحية في شعائره ومناسكه في عدة مقالات ولنبدأ بهذا المقال، إن الحج ليس مجرد بمناسك تؤدى وشعائر تؤتى وإنما هو التجرد الكامل لله تعالى والخروح من الدنيا والإقبال عليه عز وجل بنية صادقة وقلب سليم خالي من العلائق والأغيار، بعد الاستعداد النفسي والروحي، يرجو الحاج ربه ومولاه جل علاه الله ويطلبه ويلبي نداءه معلنا عن عقيدته الخالصة أنه لا شريك له في قلبه ولا موضعا فيه لغير محبته تعالى..


فالحج يعني التجرد من العلائق والأغيار ومن حب الدنيا والخروج من الأهل والمال والولد والجاه والسلطان ومن زينة الدنيا ومتاعها، ولا شك أن إقامة أركان الإسلام السابقة على ركن الحج وهي شهادة التوحيد وإقامة الوصل بالإله سبحانه من خلال الركن الثاني وهو الصلاة، ثم تزكية النفس بإقامة الركن الثالث وهو الزكاة، ثم العروج بالروح إلى عالم الملكوت والتسامي عن عالم الأرض والشهوة والمادة من خلال صوم رمضان..

لا شك أنه بعد إقامة هذه الأركان يتأهل العبد نفسيا وروحيا إلى التجرد من عالم ناسوته وكثافته المادية ومن عالم الأكوان وتأهل للتجرد من العلائق والأغيار. فأقبل على ربه الحي الباقي المستحق للحب الأعظم والذي لا مرافقة له سبحانه مستجيبا لدعوته ملبيا لندائه الذي أسمعه الله عزوجل إياه وهو في أصلاب الجدود والآباء عندما أمر الله خليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يؤذن في الناس بالحج،ثم يبدأ في الاستعداد لأداء المناسك فيتطهر ويغتسل قبل ارتدائه ملابس الإحرام..

والمعنى من التطهر والاغتسال ليس طهارة البدن وتنظيفه فقط، بل المعنى والمقصود طهارة القلب والنفس من حب الدنيا، ومن الطمع والحسد والكراهية لأحد من خلق الله، ومن الأنانية والشح والبخل وسوء الخلق والتخلي عن وصف ذميم عالق بالنفس، والتحلي بكل وصف كريم، هذا أما عن المعنى الروحي للطهارة والاغتسال فمعناه الندم وذرف مدامعه والتبري من كل معصية وذنب بالاعتذار لله واستغفاره والإنابة إليه سبحانه..

ثم يأتي التجرد من ملابسه أي من زينة الدنيا عند ارتدائه ملابس الإحرام بلونه الأبيض الذي يرمز إلى الطهارة والصفاء والنقاء والفطرة الأولى وهو ملبس يذكر العبد بملبسه بعد موته وهو كفنه، ويذكره بحاله يوم إقباله على الله تعالى متجردا من كل شيء، ثم يلبي بتلبية الاستجابة لنداء ربه ومولاه جل علاه معلنا فيها عن إيمانه الخالص بالله الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الشرك والشركاء، ومعلنا ومقرا بفضل الله عليه وبعظيم فضله ونعمه سبحانه وتعالى فيقول:

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك.

ثم يتوجه إلى بيت الله الحرام والمعنى في قصده وزيارته للبيت رب البيت سبحانه، ثم يأتي المعنى في استلام الحجر من الجهة اليسرى جهة القلب والطواف من جهته إشارة إلى أن المتوجه في الطواف هو القلب قبل القالب الجسد، ثم المعاني في عدد أشواط الطواف السبعة والذي يتلخص في الطواف حول نشأة التكوين المتعلقة بأوصاف النفس البشرية السبعة وهي الأمارة بالسوء واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والنفس الكاملة المخاطبة من الله عز وجل بقوله سبحانه: "يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"، أي جنة الأنس به تعالى، فمع كل شوط من أشواط الطواف السبع ينتقل الطائف من وصف للنفس إلى آخر حتى يرتقي ويصل للنفس الكاملة المزكاة والتي شرفت بخطاب ربها وأذن لها بالدخول على حضرته والمقام في حضرة قربه عز وجل، عزيزي القارئ نستكمل المعاني الروحية للشعائر والمناسك في المقال التالي بمشيئة الله تعالى، ولبيك اللهم لبيك.
الجريدة الرسمية