رئيس التحرير
عصام كامل

سورية.. عندما يقترب النصر.. وتختلط الأوراق!!


عندما بدأت الحرب الكونية على سورية انقسم جمهور المراقبين والمتابعين إلى ثلاثة فرق رئيسية، الفرقة الأولى وهى الغالبية الصامتة سواء في سورية أو الوطن العربي أو العالم وقفت متحيرة لا تعرف ماذا يحدث، وبالتالي لا تستطيع تحديد موقفها سواء مع ما يحدث أو ضده، وهذا طبيعي لأن هذه الأغلبية من عموم المواطنين منخفضة الوعى، وبالتالى لا يمكنها قراءة المشهد بشكل جيد في ظل سيطرة وسائل الإعلام التي تعد أحد أهم وسائل تشكيل الوعى في العصر الحديث.


والفريق الثانى هو من اندفع منذ اللحظة الأولى لاعتبار ما يحدث هو ثورة تهدف إسقاط النظام، حتى ولو على جثة الوطن وتمزيقه وتقسيمه وتفتيته، بل حتى تدميره والقضاء على الأخضر واليابس، عبر الاستعانة بالجماعات التكفيرية الإرهابية التي جاءت إلى سورية من كل أصقاع الأرض، بل وحتى التعاون مع العدو الصهيونى والأمريكى والرجعية العربية المطالبة بالتدخل الأجنبي المباشر لإنجاح الثورة السورية المزعومة، وبالطبع لعب الجنرال إعلام دورا رئيسيا عبر الصور المزيفة في زيادة أعداد المنضمين إلى هذا الفريق سواء داخل سورية أو خارجها.

أما الفريق الثالث فقد كان هو الأقل عددا رغم أنه هو الأكثر وعيا بأن ما يحدث هو مؤامرة كونية أمريكية صهيونية بالأساس، تستهدف دك آخر حصون المقاومة العربية المؤمنة بالمشروع القومى العربي، الذي يقف حجر عثرة في طريق أحلام المشروع التقسيمى التفتيتى الذي تقوده أمريكا وإسرائيل، والذي يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي تدعمه قوى إقليمية مثل تركيا هذا إلى جانب الرجعية العربية الممولة للمشروع عبر أموال النفط الخليجى، وبالطبع كانت التحديات كبيرة أمام هذا الفريق محدود الإمكانيات والمحاصر من الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي يمتلكها العدو.

وخلال سنوات الحرب الأولى كان الصراع الرئيسي بين الفريقين الثانى والثالث لكسب تأييد الفريق الأول الغالبية الصامتة التي تشكل الرأى العام المحلى والإقليمى والدولى، وبالطبع لم تكن المعركة متكافئة بين الفريقين، فالفريق المؤيد للثورة المزعومة يمتلك ويسيطر على غالبية وسائل تشكيل الوعى، في حين أن الفريق الثانى الذي يرى فيما يحدث مؤامرة لا يمتلك إلا إيمانه بمشروعه المقاوم وبعض وسائل الإعلام الوطنية محدودة الإمكانات والمشاهدة، ورغم ذلك قرر هؤلاء الفدائيون سواء كانوا من أبناء سورية أو من المؤمنين بالمشروع القومى العربي أو من الأحرار في العالم أن يخوضوا المعركة حتى النهاية، وبالطبع تعرض هؤلاء لكافة أنواع التشويه والاتهام من أجل قتلهم معنويا، وعندما فشلوا قاموا بتكفيرهم وإهدار دمهم من أجل تصفيتهم جسديا.

وتحمل الفريق المؤمن بالمؤامرة بصبر وجلد كل أساليب العدو غير النظيفة، وتمكنوا من فضح مخططاتهم وكشفهم أمام الرأى العام العربي والعالمى، من خلال النوافذ الإعلامية المحدودة والمتاحة، وبالفعل وعبر صمود الشعب العربي السورى الأسطورى، وبسالة الجيش العربي السورى في الدفاع عن ترابه الوطنى وتجفيف منابع الإرهاب، وحنكة وبراعة القائد بشار الأسد في إدارة المعركة ميدانيا وسياسيا، بدأ الفريق الأول وهم الغالبية الصامتة تقتنع بأن ما يحدث هو بالفعل مؤامرة كونية لضرب المشروع القومى العربي المقاوم الذي تمثل فيه سورية حجر الزاوية.

ومع قرب انتهاء المعركة وظهور بشائر النصر بدأت الأوراق تختلط، حيث فر العديد من أعضاء فريق الثورة المزعومة من خندق الخيانة والعمالة، وأعلنوا توبتهم وقرروا العودة إلى حضن الوطن إذا كانوا من أبناء سورية، أو قرروا إعلان تأييدهم ودعمهم لسورية وجيشها وقائدها إذا كانوا من غير السوريين، وبالطبع لا تستطيع سورية أن ترفض وتلفظ هؤلاء العائدين إلى رشدهم، لأن القيادة السورية تدرك أن المعركة لابد وأن تتوقف يوما، ولن نستطيع أن نستمر فيها لآخر مواطن وجندى، لذلك وافقت على فكرة المصالحة.

لكن ما يثير مشاعر الفريق الذي وقف يدافع منذ اللحظة الأولى عن سورية شعبا وجيشا وقائدا، سواء كانوا سوريين أو غير سوريين، أن يجدوا فريق الخيانة والعمالة والثورة المزعومة يتقدم الصفوف، وتصطف لهم الكاميرات وتفتح لهم قاعات الشرف، في الوقت الذي يقفون هم في الخلفية الباهتة البعيدة من الصورة، ولا يجدون من يشد على أيديهم أو يدفعهم لمقدمة المشهد.

ولعل ما حدث في مصر مؤخرا خير شاهد وخير دليل، فمع قرب انتصار سورية خرج كل من وقفوا ضد سورية وشاركوا الإخوان المسلمين ومحمد مرسي في قطع العلاقات مع مصر، ليعلنوا توبتهم ويطالبون بعودة العلاقات ويعقدون مؤتمرا صحفيا، ويترددون على السفارة السورية، ويطالبون بلقاء الرئيس الأسد دون أدنى شعور بالخجل من مواقفهم السابقة، مع استبعاد الفريق المقاوم الذي تحمل كل اتهاماتهم ومحاولات تصفيتهم معنويا وجسديا عبر سنوات الحرب الكونية على سورية.

لكن لا عجب في ذلك فمن باع وطنه ومبادئه ومواقفه وضميره، من المؤكد أنه لا يستحي أن يفعل ما دون ذلك، وإذا كان هؤلاء لا يخجلون ويحاولون الآن خلط الأوراق لكى يتصدروا المشهد، فلابد أن يدرك من يديرون الأمر أن توبة هؤلاء والمصالحة معهم ضرورية، دون أن يعطوهم أكبر من حجمهم، ودون أن يدفعوهم لمقدمة المشهد، ودون أن يبالغوا في تسامحهم معهم، فمن باع وطنه ومبادئه في سوق النخاسة مرة يكون على استعداد للبيع مرات ومرات، ولابد أن تتم عملية الفرز بشكل دقيق مع قرب النصر حتى لا تختلط الأوراق، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية