اعتصام رابعة.. النار والعار
كل الدم المصرى حرام، هذه قاعدة، ولا استثناء لها إلا فيما ندر، وما ندر يشمل من يقتل أبرياء ويخرب الأوطان ويتآمر عليها، أربعة أعوام مضت على فض اعتصام رابعة، ومنذ أيام وفضائيات الإخوان تحشد لبث صور وفيديوهات تعيد من خلالها إحياء المشهد على طريقتها، هكذا أرادوها وأرادها لهم أردوغان، مظلمة يستدرون بها عطف العالم، فكانت الأصابع الأربعة شعارًا، وفى اختيار المكان كانت الدلالة، جاحد من يدعى أن مشاهد الدماء لم تؤرقه، وكاذب من يدعى أن الاعتصام لم يكن مسلحًا، وغير منصف من يلقى بالتهم على من اعتصم أو من فض الاعتصام، فالأول كان ضحية لأكاذيب قيادات الإخوان، وقسم تلاه بين يدى المرشد، والثانى أراد الحفاظ على هيبة الدولة التي كادت أن تتلاشى، ليس فقط أمام سكان المنطقة الذين فرض عليهم الاعتصام حصارًا.. ولكن أمام العالم كله.
كنت أول من نقل المشاهد الأولى لفض الاعتصام حيث فرضت كاميرات برنامج كنت أرأس تحريره على المكان، ونقلت الحدث على الهواء مباشرة، نقلت رجاءات قيادات الأمن للمعتصمين بإخلاء المكان وهم معززون مكرمون، وشاهدت جنودًا يساعدون كبار السن على الخروج من الممرات، وسمعت تحريض قيادات الإخوان للمعتصمين على المواجهة والبقاء، حزنت لاستشهاد الضابط "محمد محمد جودة" أولى ضحايا المواجهة، وحزنت على الشباب الذين غابت عنهم الفطنة بعد أن غيبتهم عقيدة الإخوان، تمسكوا بشعارات رفعها قياداتهم الذين فروا هاربين.. وتركوهم لتحدٍ غير متكافئ بين بلطجة فرضتها جماعة وآلة فرضها القانون للحفاظ على هيبة الدولة.
قيادات الإخوان هي من تحاسب على ضحايا رابعة، فهى من حرضت على الاعتصام، وهى من ملأت عقول البسطاء بالأكاذيب وملأت بطونهم بالفتات عندما تركتهم الدولة فريسة لضيق اليد، فتسللت الجماعة لاستقطابهم بالزيت والسكر وقوافل العلاج المجانية.
فضائيات الإخوان تسلط الضوء على المشهد الأخير من اعتصام رابعة، وهو المشهد المعد له مسبقًا من دول وأجهزة مخابراتية، وتجاهلت المفاوضات التي جرت بين الدولة وقيادات الإخوان لإخلاء الميدان.. وكان الوسطاء فيها قادة الإخوان أنفسهم وسفراء الدول الأجنبية في مصر، تلك شهادة عمرو دراج القيادى الإخوانى ووزير تخطيط حكومة محمد مرسي، التي أدلى بها لقناة "الجزيرة" بعد مرور عام على فض الاعتصام حتى رجاءات قوات الأمن للمعتصمين والتوسل إليهم بإخلاء المكان.. تجاهلتها فضائيات الجماعة فقط..
هو المشهد الأخير الذي تلوكه هذه الفضائيات منذ أيام، والذي كان ثمنه ضحايا من المعتصمين المضحوك عليهم ورجال الجيش والشرطة الذين أرادوا تنفيذ القانون.. أما قادة الجماعة الذين اعتلوا منصة رابعة.. يحرضون الشباب البسطاء على تحدى الدولة، فأكدوا أنهم لم يبرحوا المكان إلا جثثًا هامدة، وأنهم سوف يشعلونها نارًا، هؤلاء فروا هاربين تاركين ضحاياهم لينفذ فيهم القانون، منهم من هرب متخفيًا في النقاب، ومنهم من غير ملامح وجهه، ومنهم من هرب مستغلًا ثغرات الحدود، ومنهم من لاذ بمكان أعده مسبقًا ليختفى فيه.. بطولات زائفة أرادوها حتى لو كانت على جثث ضحاياهم، بعضهم فشل في الإفلات من قبضة الأمن، وبعضهم هربتهم مافيا الحدود إلى الخارج، هم الآن ينعمون بما وعدهم به من احتضنهم وأنفق على اعتصامهم وقدم لهم السلاح، ومنهم من يطلون علينا من خلف موائد تحتوى على ما لذ وطاب، ومنهم من يطل علينا من فنادق فارهة، ومنهم من يستمر في تحريضه من خلال نوافذ إعلامية مستخدمًا المشهد الأخير للاعتصام "سبوبة" يتكسب منها غير عابئ بمن خدعهم بشعاراته، أو بضحايا كانوا فريسة لمعتقداته.. ذكرى فض اعتصام رابعة ستظل وصمة عار على جبين جماعة لا يروى ظمأ قادتها سوى الدماء.
basher_hassan@hotmail.com