الصعيد كيف كان.. وكيف أصبح!
قديما في أرياف الصعيد كان المترددون على أفران الخبز يتوارون من الناس، حيث إن شراء العيش من المخابز كان يوحي أن صوامع غلال المنزل فارغة وكان الكثير يرى في ذلك عيبا!
كانت مؤن المنازل من العيش البتاو والسمنة البلدي واللبن والجبن والبيض تشكل أمانا إستراتيجيا للأسر المصرية في الصعيد قبل أن يتخلى الصعيدي في العقد الأخير عن ماشيته ودابته بل والأدهى من ذلك تخليه عن أرضه بالبيع أو الإيجار للغير أو البناء عليها، فلم تُعد الروابط قوية بين الصعيدي وأرضه كما كانت!
هناك في أرياف الصعيد استمر بناء المنازل من الطوب اللبن حتى سبعينيات القرن الماضي وكانت المنازل في أقصى أحوالها دورين يعلوهم صوامع وعشش الفراخ والأرانب ثم ما لبث أن اختفى ذلك رويدا رويدا، حيث تم إحلال معظم المنازل لتصبح بالطوب والأسمنت والقواعد الخرسانية، وازداد عدد أبناء الصعيد في الخارج خاصة العراق في فترة السبعينيات والثمانينيات بما كان له أثره في التوسع العمراني في المنازل وتحويل الأراضي الزراعية إلى مبان وكتل خرسانية بما جنوه من أموال خلال فترة تواجدهم بالخارج.
في بداية العام الدراسي كانت تغطي التلفزيونات بغطاء مناسب حتى يتحول اهتمام الأولاد بالدروس وتحصيل العلم رغم أن التليفزيون لم يكن به سوى قناتين فقط الأولى والثانية، وكذلك الحال عند وفاة أحد الأقارب حيث كان من العيب تشغيل التليفزيون خلال فترة الأربعين الخاصة برحيل أحد الأقارب!
هناك كان البصل دواء لتطهير الجروح وأوراق الخروع لتطهير الدمامل والشاي بالليمون لعلاج الصداع وتدليك الجسم بالخل وكمادات المياه الساقعة لعلاج ارتفاع الحرارة، كان قرص الأسبرين الأخضر دواء لمعظم الأمراض كانت البساطة في كل شيء.
نعم الصعيد لم يُعد كما تجسده الدراما المصرية ولم تعد المنازل كما كانت بل تطور كل شيء في المنزل والأثاث وحتى المعاملات خاصة مع التوسع في التعليم العالي حيث يحرص معظم الصعايدة على التحاق أبنائهم بسلك التعليم العالي، بما كان له أثره في رفع الوعي وإكساب أفراده الثقافة والمعرفة التي تجعله أكثر قدرة على حسم الأمور والتعامل مع الأحداث بما كان له أثره على إعادة تهيئة المجتمع الصعيدي من ناحية العلم والمعرفة والمشاركة السياسية.
تلقيت سيلا من الرسائل والتعليقات على أثر مقالي السابق "درب الغربان وصعايدة زمان" التي أشير لبعضها دون أي إضافة مني فقد قال الدكتور أبو المعاطي شعراوي المستشار السياحي المصري بالصين "عايشتنا مشوار ورحلة حياة كأننا نحياها تحية شكر واحترام لكم ولكل أهلنا بالصعيد وجوه تكسوها البسمة والشموخ والكرامة، وقلوب مملوءة بالنقاء والصفاء والحب.
وذكرني الصديق العزيز عبد الناصر عبد المجيد مأذون قريتنا بأني قد نسيت في مقالي السابق البلح المحمص وهو الذي يشتهر به الصعيد، حيث كان يتم الحصول على البلح في نهاية موسمه من سباط النخيل ويتم وضعه على الحصر أعلى السطح لعدة أيام ثم يتم تحميصه على الفرن البلدي ويتم تخزينه وتناوله حسب الطلب.
بينما قال الدكتور نبيل حنظل "ذكرتنا بتراثنا الذي أهملناه، ذكرتنا كيف كانت القرية تتآخى -وكيف كانت القرية تطعم المدينة وكيف استطاعت القرية أن تنتج أعلاما ومتخصصين دون إمكانيات فقط كان النيل مسبحهم، والشارع ملعبهم، والمدرسة مركزهم الثقافي والتعليمي، حسبتك رجل سياحة خلع جلبابه الصعيدي ولبس بدلة المدينة ليذوب بين سكان العاصمة ويرى الدنيا الجديدة من مكتب الوزير لكنك أصيل تتمسك باعتزاز بالجذور التي تقطعت والأعراف التي نسيت والعادات والتقاليد التي أهملت تحياتي لك".
وقال الكاتب الصحفي زين العابدين رشدي "هذا ليس مقالا، هذا لوحة فنية تصويرية للماضي الجميل كأنني أشاهد الزمن الجميل الذي عشناه في طفولتنا، إبداع حقيقي ورسم مشاهد تصويرية في مقال مفعم بالصور".
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية...